التوحش في العلمانية والداعشية
عمر كلاب
12-03-2016 01:24 AM
الرد على التوحش بتوحش مضاد آفة تضرب الملعب الفكري العربي الذي يحتاج الى ادوات اللعب النظيف في تلك اللحظة حصريا وفي كل لحظة بالاساس، فالمجتمع الاردني لم يعرف ادارة التوحش ولا يمتلك خبرة فيه، لذلك تكتشف حجم البريّة في الحوار او المساجلة الاخيرة التي تورّط فيها الصديق محمد داودية بوصفه عالما وداعية بالمشطوبين في زلة لسان لا يجوز ان يقع فيها من يجمع الناس اليوم على مشروع سياسي للحوار الديمقراطي ويحظى مشروعه بتفاعل حيوي داخل المجتمع الاردني الذي يحتاج فعلا الى ادارة الحوار الديمقراطي بين مكوناته التي انزلقت الى التوحش في القول والرد على الآخر حتى بات كل صاحب رأي مشروعا صامتا او يضع رأيه على وضع الصامت ليحمي لحمه وفكره من الأكل نيئاً.
السجال الدائر كله يستهدف تكريس المتاريس وتمتينها، فكل طرف ينتظر زلة لسان للآخر، فالعلمانيون وجدوا فرصة لهم في الهجوم على التيارات الدينية بعد الحالة التي فرضتها داعش الاجرامية وحاولوا تصفية الحساب مع كل التيارات الدينية ودعشنتها، وكذلك فعل انصار التيار الديني بأن دعشنوا كل التيارات العلمانية بوصفهم دواعش اللادين ونما التطرف في الحوار بأعلى مستوياته والتطرف اخطر من الارهاب، فالتطرف سبب والارهاب نتيجة، ما يؤكد ظاهرة التصيّد والتطرف بين الاطراف، هو صمت الطرفين عن التوحش داخلهما وبطريقة جاهلية، فلا احد من العلمانيين يتصدى لتوحش علماني فقد التمييز بين الدين وتجار الدين او المستثمرين فيه، وكذلك امسك حاملي جمرة الدين الوسطي الذي نعرفه عن التصدي للمتوحشين المتدينين، فعلى نفس المسار وبالتوازي لجملة محمد داودية خرج رأي متوحش جدا من الداعية المصري وجدي غنيم بحق الاستاذ حسن الترابي رحمه الله كال فيه غنيم صفات قاسية بحق رجل مجتهد يؤخذ منه ويُرد، ولم نجد من يفتح فمه وكأن هذا حق مشروع للداعية ولكنه ممنوع على داودية غير الملتحي او العلماني.
النقد علم بحد ذاته وله ادواته ومعارفه وهو حق على اطلاقه للجميع واختصار النقد للآخر افقد الفكر العربي حصانته وحصافته، وابرز ظواهر النقد وارقاها هي النقد الذاتي الذي مارسه داودية بالاعتذار، في حين ما زال العقل الديني يرفض النقد بشكليه الذاتي والموضوعي كما في ملعب العلمانية المتوحشة التي ترى ضرورة اقصاء الدين ومن هنا نقول المتوحشة اي العلمانية لأن الاقصاء توحش مهما اختلفت الادوات والالفاظ ولا يجوز اقصاء احد وتلك ابرز مبادئ العلمانية التي لا تعادي الدين ولكنه ليس مدخلا في السياسة والحكم وهذا ما اكدته التعاليم في وثيقة المدينة التي كانت اول دستور لدولة المدينة المنورة، فالدولة المدنية هي التي سادت ونجحت في التقدم والتوسع، فنصارى الشام كانوا وزراء الدولة الاموية ويهود العراق كانوا وزراء الدولة العباسية والاموية في الاندلس، ولم نسمع ان خليفة راشدّي اساء لاتباع الديانات السماوية في المدينة ونجران والشام .
طالما بقي المبدأ الجاهلي يسود العقل ويسوسه فلا مخرج لنا، وستبقى المجتمعات العربية متراجعة عن ركب الكون، فالنقد مسموح لابن الفكر نفسه ولا نقبل نقدا من الآخر مهما كان هذا النقد صائبا، فمجرد انه جاء من الآخر هو مرفوض، سنبقى في عوالم التوحش التي لا نمتلك فهما لادارتها ولا نملك فكرا لمواجهتها، لان النقد هو اداة التصويب والتطوير وتكفير كل ناقد او منتقد بالمعنى الفكري لن يمنحنا القدرة على الخروج من الحالة وتجاوز ظروفها القاسية التي تضغط على اعصاب المجتمعات العربية ومجتمعنا الاردني الذي تصله الان مفردات التوحش وتجد مكانا في عقول تسعى الى الظهور والبروز عبر الاستثمار في التوحش، ومجتمعنا لا يقبل التوحش ولا يخدمه ايضا.
النقد واستقباله ومراجعة الافكار الواردة منه اول طريق الوعي الذي نحتاجه لمواجهة التطرف ومواجهة الارهاب باستراتيجية وليس بلحظية غير مجدية.
الدستور