كان حوارا شيقا وشاقا نظرا لوعورة العناوين التي تم التطرق إليها. حدث ذلك أثناء لقاء مع وفد من طلبة جامعة "نورث كارولينا" الذي يزور المملكة ضمن برنامج تبادل ثقافي بتنظيم من مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية.
لم تبتعد تساؤلاتهم وطروحاتهم عن سياق السخط الكوني جراء سياسات امبراطوريتهم الذاهبة بعيدا في الظلم والعدوان. عّبر أولئك الطلبة بوعي كبير عن خجلهم الشخصي وعن إحساسهم بالغضب والمهانة إزاء حقيقة تعرض علم بلادهم بشكل دائم للحرق والدوس بالأقدام الغاضبة في اصقاع المعمورة! لكنهم تذمروا في الوقت ذاته من حالة العداء وعدم الفهم التي يواجهون بها كأفراد دونما ذنب اقترفوه، ما يجعلهم يشعرون بشيء من الظلم نتيجة لصورة الأميركي النمطية المكرسة في العالم برمته ، وهي صورة ليست مشرقة في جميع الأحوال!.
كان لا بد من الإشارة إلى أن العرب هم ابرز ضحايا التنميط في العقلية الغربية الجمعية عبر عقود، إذ أعرب ضيوفنا الطلبة الأميركان عن دهشتهم لمدى اختلاف صورة العربي الحقيقية عن الصورة النمطية الجاهزة المرسومة بخبث في ماكينة الإعلام الغربية.
وقد أخذت تلك الماكينة الشيطانية على عاتقها إحداث أقصى صور التشويه لكل ملامح ثقافتنا. بالطبع كان المتفق عليه أن زلزال 11 ايلول مجرد ذريعة إضافية لارتكاب مزيد من التضليل في هذا السياق والعمل على تقديم الشخصية العربية بأبشع صورة ممكنة لغايات إضفاء المشروعية على كافة اشكال التنكيل بالعرب حيثما وجدوا، شاهرين سيف الاحتياطات الأمنية الضرورية، وذلك انطلاقا من فكرة أن العربي ارهابي حتى يثبت العكس!
والحق إن وسائل الإعلام تلك ساهمت حثيثا في تقديمنا إلى العالم الحر بصفتنا أوغادا متوحشين تجوز علينا المجازر التأديبية بين الحين والآخر، وذلك لغايات تهذيبنا وتأهيلنا للحاق بركب المدنية والحضارة وفق مواصفات ومقاييس أميركا الحاكمة بأمرها.
كان الطلبة في حالة فضول قصوى يودون أن يتعلموا أكثر عن حقيقتنا كنساء من لحم ودم وتعب، بعيدا عن تأثيرات هوليود التي رسمت صورة بائسة للمرأة العربية بصفتها جارية لا يظهر منها سوى عينين مفرطتين في الكحل والغنج تعود ملكيتها لمن يدفع أكثر! مكرسة عمرها للانصياع بالمطلق لنزوات موسرين يعانون من الملل والرتابة برفقة زوجات فقدن بريقهن!.
أراد أولئك الطلبة التعرف أكثر على جوهر المرأة العربية بمعزل عن ظلال ألف ليلة وليلة حيث النساء المتواريات في الغموض والاستلاب والخنوع، والرجال الموتورون المكبلون بعقد التملك والتفوق الجنسي الغارقون في عوالم حسية عابقة بالبخور والمسك والعنبر بما يغيب المدارك كلها ويعلي من شأن الغرائز ويضعها في قمة سلم أولويات العربي الشهواني الشره ذي الشارب المفتول والكرش المتدلي!
بعد عدة لقاءات مع شخصيات أردنية من ضمنها نساء حققن تميزا في مجالات عدة وصل الوفد الزائر إلى نتيجة مفادها إن الصورة النمطية المكرسة كونيا للعرب فادحة التضليل ومشبوهة إلى أبعد حد، بل ثمة ريب كبير يكتنف صانعيها.
توصلنا في نهاية الحوار إلى أن الفروقات بيننا كأفراد نقطن سطح هذه البسيطة هي فروقات متناهية الصغر، وان ثمة مشتركات إنسانية كبرى بين الإفراد من كافة الأعراق والمعتقدات في سعيهم نحو شروط حياة أكثر انسجاما مع حاجة الإنسانية إلى تحقيق مفاهيم العدالة والحرية والمساواة.
من هنا، تبدو الحاجة ماسة في وقتنا هذا إلى لقاءات كهذه بين الأضداد كي يكتشفوا أنهم ليسوا أضدادا بالمطلق، لأن حب الخير والتمسك بقيم الجمال طبيعة ثانية للبشر، ولأن الأصل لرسالة البشرية بأجمعها أن تصطف في خندق واحد في مواجهة قوى الطغيان والظلم أينما وردت، إعلاء لقيمة الحياة متفقين في نهاية الأمر أن عبورنا فيها لا ينبغي أن يكون عابرا في مطلق الأحوال!
egales_60@yahoo.com
عن الغد.