من رآها؟ من سمع صوتها؟ من مر حفيف ثوبها بخاطره؟ من قطع طيفها حبل أفكاره؟
يقولون: صفها لنا، هل لها عينان وأذنان وقامة مثلنا؟ هل لها جديلة طويلة أم شعر قصير؟ ماذا ترتدي؟ ما لغتها، لون عينيها، شكل أنفها، هل ثمة علامات فارقة في وجهها؟!
وأصمت.. هل أقول لهم أنها خرجت من كتاب لم يقرأه أحد بعد؟ هل أقول أن لون عينيها مزيج من زرقة البحر وطعم العسل وغناء الحسون؟ أم أقول أنها ترتدي موجة من أثير معطرة برائحة الأرض عند الشتوة الأولى؟! ولها قامة من لحن أسطوري قادم من مستقبل، يعزفه الشهداء والفقراء وأبناء البرية؟! وصوت الندى اذ يهبط خلسة في ساعات الصباح الأولى؟ ووجه معجون من خليط غبار الطلع وقصيدة يتيمة لشاعر مجهول كتبها قبل أن يولد، وأمنيات مخمرة في صدور المحرومين؟ أم أقول أن لها يدا من غيم عابر وساقا من موسيقى لم تعزف بعد، وكفا من مقاثي بكر زاخرة بأحلام الجوعى، وأن لها جبينا من أدعية الأنبياء؟ هل اقول أن لها شعرا من هدير البحر ورموشا من حروف لم تقرأ 00 وشفتين من عزف منفرد على الذاكرة، ؟! هل أقول أن لها صوتا من ماء مقطر ينبع من قلب جبل لم يصله أحد، مخلوط بابتسامة خجلى لزهرة عباد الشمس اذ فاجأها بدر منتصف الشهر، فالتبس عليها ضوء النهار بإشراقة منتصف الليل؟! هل أقول أنني رأيتها آخر مرة عبر هاتف -داخلي- يخفق بالبلور، وسمعتها على شاشة رقمية مكتظة بحفيف النوم والنعاس، ولمستها في تنهيدة أرملة شهيد؟!
أين تقيم وفي أي شارع واي حي؟!
يسألون
هل أقول لهم أنها تختبىء وراء فاصلة أو حرف، وتظهر من خلف تكشيرة أو بسمة أو موجة أثير؟ وتطل من سلك هاتف متنقل بلا أسلاك؟! وتأخذ اغفاءة داخل وردة مسائية تتفتح لبرهة ثم تغمض عينيها على حلم أو كابوس؟ هل اقول لهم أنها تقيم داخل محارة في بحر ماؤه من الضباب وزبد النبيذ الرباني وحبب الكؤوس التي لم تشرب بعد والدمع المتجمد في الأحداق؟! هل أقول انها تسكن داخل نبضة قلب عاشق وفي ثنايا نغمة وتر حركته نسمة متمردة وعلى شفتي طفل ترتجف هلعا أو دهشة، أو في مؤقت قنبلة تغفو على خاصرة استشهادي؟
من رأها؟!
من؟
الدستور