تذهب الظنون بالبعض ، أن النيران المشتعلة في البيادر العربية ، منذ أن أقدم الشهيد التونسي البوعزيزي على حرق نفسه أواخر العام 2010 ، أن الأمور ستقف عند هذا الحد بإلتهام القش العربي الجاف والجاهز للإشتعال ، لكن قراءة متعمقة لما يحدث في الإقليم الواسع ، تشي بكل الوضوح ، أن النيران سوف لن تقف عند العالم العربي ، بل ستمتد إلى بيادر الآخرين ، وها هي الغربان تحوم في أجواء تركيا.
ما هو واضح لمن يدقق النظر ويقرأ بتمعن ، أن نهضة تركيا حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002، ستتحول إلى نقمة عليها ، لأنها تجاوزت الخطوط الحمر والبتفسجية على حد سواء ، وبرز الرئيس رجب الطيب أردوغان رجل دولة بالكامل ، ونشل بلاده من القاع إلى مصاف الدول المتقدمة ذات البصمة الواضحة في مجالات التنمية والشفافية .
عجلت هذه السياسة الأردوغانية ، بالنهاية غير السعيدة المتوقعة لهذا البلد ، الذي حاول النهوض ومغادرة التخلف والسواد والمديونية ، وهو مكبل بالقيد الإسرائيلي ، الذي كان يتوجب على الأردوغانية ، أن تحسم أمرها مع مستدمرة إسرائيل ، قبل المضي قدما في النهوض الشجاع .
هناك محظور إسرائيلي ، وهو ممنوع على من شعر بالدفء في الحضن الإسرائيلي ، أن يغادره هكذا ، بعد أن ترعرع فيه ، ومعروف أن العسكر والعلمانيين والأتاتوركيين ، نسجوا علاقات ولا أقوى مع مستدمرة إسرائيل ، دون أن يخطر ببالهم أنهم مسلمون ينتمون إلى إمبراطورية إسلامية ، إمتد حكمها إلى أربعماية عام ، ودمرها يهود ،لأن السلطان عبد الحميد الثاني رفض التنازل لهم عن فلسطين.
تسير تركيا حاليا في طريق مجهول ، ويقيني أن جزءا مما يحدث في سوريا كان بهدف إيقاع تركيا في المصيدة ، رغم أنها عبدت طريقا ناجحا ومميزا في العلاقات الدولية ، وإستنت سنة حسنة وهي "صفر مشاكل "، وهذا ما أهلها لإحداث تغيير محمود ، لكنها إرتطمت بحائط العلاقات مع إسرائيل ، إذ لا يجوز الرقص على حبلين.
معروف أن السيد أردوغان تحدى إسرائيل مرارا وتكرارا ، إذ حاول كسر الحصار المفروض على غزة ، وتبنى حماس والإخوان المسلمين ، وأنجز إهانة تاريخية لعجوز إسرائيل وثعلبها الماكر ، شيمون بيريز في مؤتمر دافوس الإقتصادي ، على مرآى ومسمع العالم الذي كان يراقب المشهد عبر شاشات التلفزة .
كل ذلك والعلاقات التركية – الإسرائيلية تتنفس وإن ببطء ، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على أسطول مرمرة ، لكسر الحصار على غزة في المياه الدولية ، وقتل وجرح العديد من الأتراك ، وإهانة السفير التركي في وزارة خارجية إسرائيل ، بطريقة مدروسة جيدا لإيقاع الإهانة به ، ومعروف أن إهانة السفير تعني إهانة البد الذي يمثله.
وهذا بطبيعة الحال خطأ فادح ، ما كان ليرتكب ، لو ان إخوتنا الأتراك فكروا بعقلية حسم العلاقة مع مستدمرة إسرائيل ، فتركيا ورغم انها مارست دور الوسيط ولا تزال بين حركة حماس وإسرائيل ، وأنجز السيد أردوغان أواخر العام 2008 إطار إتفاق بين النظام السوري ومستدمرة إسرائيل ، لصالح إسرائيل طبعا ، لكن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك خدع السيد أردوغان ، ورجع من تركيا بهدف المشاورة ، لكنه شن حربا على غزة، وكما هو معروف فإن مستدمرة إسرائيل ، لا تغفر لمن تتخيل أنه أخطأ بحقها ، حتى لو كان لصالحها مثل إتفاق الإطار الذي وافق عليه بشار".....".
أما الخطأ الثاني الذي إرتكبته الأردوغانية فهو الإصرار التركي على إقتحام الإتحاد الوروبي ، لنيل عضويته ، رغم أن السيد أردوغان تلقى رسالة واضحة بهذا الخصوص مفادها أن الإتحاد الأوروبي ، عبارة عن ناد مسيحي وسوف لن يسمحوا لدولة مسلمة بإقتحامة والدخول فيه ، ومع ذلك نرى الأتراك مستمرون في التحديث والعصرنة ، لمواكبة التغير في اوروبا ، والتساوق معها ، ومقاربة القوانين الأوروبية المعمول فيها في اوروبا.
هذه مسوغات كافية ومن الآخر ، لوضع حد للطموح التركي ، وها هي مستدمرة إسرائيل تسجل نصرا سياسيا على تركيا ، بإجبارها على تطبيع علاقاتها معها وبالشروط والمكتسبات الإسرائيلية ، وهذه رسالة ملغومة للجميع.
كافة المعطيات الظاهرة تفيد أن أمريكا والغرب وإسرائيل بطبيعة الحال ، ونظرا للأسباب آنفة الذكر ، سيضحون بتركيا ، وسيتخلى عنها حلف الناتو بعد توريطها مع الدب الروسي ، الذي يفرد عضلاته في سوريا الجارة اللصيقة بتركيا ، بمعنى أن روسيا ستخوض مع تركيا حربا ضروس ، دون أن يتدخل الناتو التي تتمتع تركيا بعضويته لحميتها ، إذ لا يجوز للغرب المسيحي والشرق المسيحي أن يتقاتلا من أجل عيون بلد مسلم هو تركيا بطبيعة الحال.
القراءات تقول انه سيتم تقسيم تركيا إلى ثلاثة أقسام ، الأول يعطى للأكراد والثاني للأرمن والثالث لليونان ، وتكون أمريكا وأوروبا قد وضعتا حدا للرغبات التركية ، في حين ان مستدمرة إسرائيل ستنتقم من تركيا الأردوغانية رسميا ، لأنها تملمت وحاولت الخروج على النص الإسرائيلي.