شهد الأردن في السنوات الماضية اهتماماً خاصاً، وتوجهاً كبيراً نحو النهوض بواقع المرأة، وتكريس قدرتها على ممارسة كافة حقوقها، وقد خطا الأردن خطوات نوعية على صعيد تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، التي تمثل واحدة من أولويات التنمية السياسية في البلاد.
وفي سبيل تحقيق ذلك سُنت التشريعات الضرورية التي تؤمّن للمرأة دوراً غير منقوص في مناحي الحياة المختلفة، واتخذت خطوات فاعلة لتعزيز دورها في مسيرة البناء، وإعطائها موقعاً ريادياً في المجتمع، تأكيداً على شراكتها الحقيقية والكاملة للرجل، وتحقيق الطموحات التنموية والتقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
وفي ظل هذا الاهتمام بالمرأة فقد حققت تقدما في الميادين كافة، إذ أظهرت الأرقام الرسمية تمتع الأردن بأعلى مستويات تعليم الإناث في دول المنطقة والشرق الأوسط، حيث انخفضت الأمية بينهن من 68% عام 1961، إلى 10.1% عام 2010، ويتمتع الأردن بمستوى مرتفع من تكافؤ الفرص بين الجنسين في الحصول على خدمات التعليم الأساسية، الذي بلغ 89 بالمئة، وهو أفضل معدل تعليم بين البلدان العربية، وارتفعت معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي بين الإناث لتصل عام 2008 إلى 97,7 %، وضمن قائمة تنسيق القبول الموحد للجامعات بلغت نسبة التحاق الفتيات في التعليم الجامعي 51,3 % وفي الماجستير 42,7 % والدكتوراه 30,2 % والدبلوم العالي 61,3 %.
ورغم ما وصلت إليه المرأة في مجال التعليم إلا أن مشاركتها في سوق العمل ما زالت متدنية، بل في تراجع، فبعد أن كانت عام 1979 أقل من 1 %، أصبحت 6,1 % عام 1994، وإلى 19.9% حسب إحصاءات عام 2004، في حين ارتفعت نسبة البطالة لدى الإناث إلى 26% في عام 2010 وما زالت كذلك في 2013 .
ومن حيث مشاركتها في السلطة التنفيذية، فقد شاركت في الوزارة منذ 1979، وتقلدت موقع نائب رئيس وزراء، ووصلت مشاركتها في الوزارة إلى5 وزيرات في عهد عدنان بدران، وهي أعلى نسبة في الشرق الأوسط، إلى أنها تراجعت في السنوات الأخيرة حيث اقتصرت على وزيرة واحدة في عهد الطراونة الثاني، وبدون في وزارة النسور الأولى، وواحدة في الثانية...
وفي المجلس التشريعي أصبح لدينا 15 نائبة، وفق نظام الكوتا، وفي عام 2007 عدّل قانون الانتخابات البلدية، لتمنح المرأة حوالي 20 % من مجموع المقاعد في المجالس البلدية، مما شجع 355 امرأة على الترشح، فاز منهن 226، من بينهن 23 سيدة بالتنافس، كما ترشحت 6 نساء لرئاسة البلدية فاز منهن رئيسة بلدية واحدة، وبذلك ارتفعت نسبة المشاركة النسائية في المجالس البلدية بشكل ملحوظ.
كذلك كان للمرأة حضور في مجلس الأعيان والسلك القضائي والدبلوماسي، وفي القوات المسلحة...
ورغم ذلك كله إلا أن مشاركة المرأة في الحياة العامة ما زالت دون المستوى المطلوب، وذلك يرجع إلى وجود معوقات اجتماعية واقتصادية وثقافية همّشت دور المرأة، من أهمها:
الدور المزدوج الذي تمارسه المرأة، ويتعلق بمسؤولياتها داخل الأسرة وخارجها، والنظرة التقليدية للمرأة القائمة على التمييز المبني على النوع الاجتماعي لاسيما في المجتمعات التقليدية، وسطوة الموروثات الثقافية والاجتماعية التي تحد من تطور المرأة، وتحد من مكانتها الاجتماعية.
وكذلك صعوبات التأهيل المهني والمعرفي: وتتعلق بالصعوبات التي تواجه المرأة في العمل الناجمة بشكل رئيسي عن عدم توفر الفرص المتكافئة بينها وبين الرجل.
ومن هذه المعوقات أيضا: المجال المؤسسي، وضعف دعم الإدارة العليا، التي تجسّد الصعوبات التي تحول دون وصول المرأة إلى المراكز الإدارية العليا، واعتقاد المسؤولين بأن المرأة أقل استقرارا في الوظيفة.
ومنها كذلك عدم المساواة في كثير من الأحيان في العمل: التعيين والترقية، وإشغال المراكز الوظيفية العليا.
والمرأة ذاتها يمكن أن تكون معوقا أساسيا في تقدمها، فثقتها بنفسها ما زالت متدنية عند كثيرات نتيجة التنشئة الاجتماعية، فهي تعتقد أنَّها غير قادرة على تحمل المسؤولية، والرجل هو الأقدر على ذلك إضافة إلى محدودية طموحها في كثير من الأحيان، وعدم استمراريتها بالعمل، وانحياز المحسوبية والعشائرية ضدها.
من هذه المعوقات أيضا الأمية، فقد أكدت دراسة حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في محافظة معان مثلا، أن أهم التحديات، التي تواجه المرأة في المحافظة، هي ارتفاع معدلات الأمية، رغم التقدم الذي أحرزه الأردن في مجال التعليم الأساسي والعالي خلال العقود الماضية.
ولعل من أهم الاستراتيجيات والوسائل التي يمكن أن تدفع بالمرأة إلى الأمام : الاستغناء عن كلمة المساواة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا على مستوى الأسرة والمجتمع، واستبدالها بكلمة التكامل أو التشارك، فكلمة المساواة غير منصفة للمرأة، ومستفزة للرجل والمجتمع على حد سواء، والاستمرار في تعليم المرأة وتأهيلها في كافة مناحي الحياة، والتأكيد على دور وسائل الإعلام في تعزيز الصورة الإيجابية للمرأة، والابتعاد عن الصورة النمطية التى تعزز الصورة السلبية للمرأة، وتوفير الظروف الملائمة لعمل المرأة.