الثالثة والعشرون بـعـــد الألـف!
خيري منصور
08-03-2016 01:40 AM
كانت القضية الفلسطينية ذات عروبة عاربة على قمة الاولويات فيما يتعلق بالأمن القومي والهوية الوطنية والذاكرة التاريخية، ثم تراجعت الى الثالثة والعشرين، وخلال اقل من ثلاثة عقود تقلصت الى مساحة فلسطين الجغرافية ثم الى اقل من عُشر هذه المساحة، وكان لها اطاران انساني واسلامي ثم رفع عنها المعطفان فأصابتها القشعريرة في عراء خريف قومي ليس له نهاية.
فبأية معجزة وبأية كيمياء اصبح حجر المغناطيس برادة حديد؟ وفقد النسر جناحيه وتحول الى سلحفاة مقلوبة على ظهرها؟
هذه الاسئلة تراودني جميعا بتفاوت في منسوب الصوت، فثمة من يهمس بها مقابل من بحّ صوته من الصراخ، لكن الحصيلة واحدة، ما دام رهان سعد العربي على البقاء هو هلاك اخيه سعيد، وما دام هناك اسوأ مثل في تاريخ البشرية وهو اذا جاء الطوفان اصعد على جسد ابنك كي تنجو وتطفو، وان كان هناك من طفوا على ما نزفوه من دماء !
لم يعد الخبر الفلسطيني جملة مفيدة ذات مبتدأ قومي وخبر انساني، انه الان يأتي على هامش النشرة الجوية، واحيانا لا يأتي على الاطلاق.
كانت فلسطين ذات ثقافة وعروبة عاربة عاصمة الشعر العربي والكتابة بمختلف حقولها، ثم بدأ الطّرد من الخطاب والقصيدة والمقالة والصحيفة بحيث اصبحت هي المشردة في شعاب الارض وليس اهلها، لأنهم استقروا في خيام من حجر ورخام .
كم من الانقلابات والثورات والانتهاكات ارتكبت باسمها وكم هو عدد من شرّدوا وجاعوا وفقدوا حريّتهم من اجلها وأين هم الان ؟ اعرف ان معظمهم ينامون، بل يسهرون في قبورهم لعلّ القيامة وشيكة.
ما من قضية بوزنها وبمواصفاتها وعدالتها وتراجيديتها استُخدمت مطية لبلوغ مآرب لا علاقة لها بعذاباتها واشواقها، وحين قرأت ذات يوم قصيدة للشاعر اليوناني ريتسوس يقول فيها ان السيدة التي تنوء بحمولتها على الشاطىء الشرقي من البحر المتوسط تخلى عنها وخذلها الابناء ... لهذا سأناديها بلغتي القديمة : يا أمي ....
وسواء كان ريتسوس اخي في الرضاعة او الشعر او الدم سأقول له انها الان الثالثة والعشرون لكن بعد الألف!
الدستور