انتاجية المواطن الاردني ..
14-07-2008 03:00 AM
رغم التطور الهائل في مجال الصناعة ، الذي شهده الاردن في العقود الثلاثة الماضية ، والمتمثل في ايجاد صناعات جديدة ، رفدت الخزينة بمئات الملايين من الدولارات سنويا، وشكلت سدا منيعا في وجه البطالة ، من خلال تشغيل عشرات الآلاف من العاملين ، فكانت بذلك عامل استقرار ورفاه اجتماعي ، بما تقدمه من رواتب مجزية ، قياسا الى رواتب العاملين في القطاع العام ، وما تقدمه من خدمات التأمين الصحي المتميزة ، وخدمات اقتصادية واجتماعية مختلفة لعائلات العاملين.. ومن تطوير لمجتمعات تلك الصناعات ، حيث حولتها من مناطق نائية منعزلة ، الى مناطق جذب سكاني ، تتمتع بمختلف خدمات البنية التحتية ، وساهمت في تطوير مستوى معيشة ابنائها ، بالرغم من كل ذلك ، ما زالت النظرة الى العمل في هذه المؤسسات الصناعية ، قاصرة عن الخروج عن اطار العداوة المبطنة لصاحب العمل ، والنظرة العدائية للعمل ، من قبل فئة من العاملين ، والتي تدفع للتسيب ، رغم الادراك من قبل الجميع ، لأهمية هذه المنشآت الاقتصادية ، في رفع مستوى حياة العاملين وعائلاتهم .
هذا العداء المبطن او المعلن ، قد يجد له المرء احيانا ، بعض التبريرات في الوظائف الحكومية ، بسبب سياسة التوظيف ، التي تأخذ في الاعتبار التأثيرات الاجتماعية السلبية للبطالة ، فتقوم هذه السياسة "الأبوية" ، على مبدأ توظيف اكبر عدد من الافراد ، على حساب تدني الدخل ، لكن الامر المستغرب هو وجود حالات العداء هذه ، في مؤسسات صناعية ، تمثل القطاع المشترك ، رغم ارتفاع مستوى الدخل ، ورغم الامتيازات الآنفة الذكر ، لكنه مغلف بتبريرات العدالة ، والانتقاص من الحقوق لبعض العاملين ، ونيل البعض الاخر اكثر بكثير مما يستحق ماليا ومعنويا ، وهذه النظرة يشوبها في كثير من الاحيان ، المبالغة في جلد المؤسسة ، لتبرير العداء المبطن للعمل وصاحبه .
هذا العداء المبطن ، له عامل اخر يساهم في استمراره ، واضطراده احيانا مع تقدم الزمن ، وهو الاطمئنان لمسيرة المؤسسة الصناعية ، وديمومة ارباحها ، وديمومة رواتب العاملين فيها ومكتسباتهم ، بمن فيهم المقصرون انفسهم ، فلم يحسوا بالخوف على مصير مؤسستهم المعيلة لهم ابدا ، فرغم دورهم السلبي تستمر نجاحاتها ، وتزداد ارباحها ، لاسباب اخرى ليس لها علاقة بدورهم ، فهذا العامل مضافا اليه عدم وجود سياسة ثواب وعقاب فعالة ، او وجود مساندة عاطفية بريئة او غير بريئة من ذوي الشأن ، يساهم في استمرار حالة العداء المبطن ، او السافر في مراحل متقدمة ، لا بل قد يستمر ذلك حتى نهاية عمل الموظف في المؤسسة ، وهذه حالة ليست خيالية بل حقيقية ، موظفون عملوا في مؤسسات ناجحة ورابحة ومتساهلة مع المقصرين ، ثم خرجوا منها بالمغانم ، رواتب تقاعدية مجزية ، وتامين صحي ، منح دراسية لابنائهم ، اضافة لتوفير افضل مستويات المعيشة لهم ولعائلاتهم خلال فترة العمل ، بينما لم يقدم هولاء لهذه المؤسسة الصناعية ، الا الجزء اليسير من جهدهم ، ولا اقول كفاءتهم ، لانهم ربما لم يكونوا يمتلكون كفاءة ، تؤهلهم للعمل اصلا في الموقع الذي عملوا فيه ، او ربما لم يمتلكوا الواعز الاخلاقي الدافع للعمل المجد ، رغم تباكيهم على الاخلاق ، خلال مسيرة تقاعسهم في العمل .
لا يظن البعض ان هذه الفئة قد تشعر بالخجل من سلوكها ، او ربما تحس يوما بتأنيب الضمير ، انها قد تكون صاحبة أعلى صوت ، تعرف كيف تستغل التساهل او عمى الالوان ، انهم في الغالب ، من فئة "الحكواتية" الذين لا تستريح السنتهم داخل افواههم ، يدلون بدلوهم في كل امور الحياة سواء كانوا يفقهون فيها أم لا يفقهون ، وفريستهم دوما من يجيد الاستماع اليهم .
في القطاع الحاص ، حيث العمل عموما هو المقياس ، الا في حالات خاصة ، تبرز فيها المحاباة لعدد محدود ، اما بسبب صلة القرابة مع صاحب العمل ، او في اطار تبادل المصالح بين المتنفذين ، فان وجود مثل هولاء المتسيبين ، الذي سبق الحديث عنهم ، هو وجود معدوم ، لان صاحب العمل لن يتساهل مع اي تسيب او تقصير ، وبالتالي فان المعادلة مقلوبة ، وربما يقوم صاحب العمل ، باستغلالهم أبشع استغلال ، والانتقاص من حقوقهم ، مقارنة مع القطاع العام والقطاع المشترك .
في عهد الخصخصة التي يشهدها الاردن ، يصبح للعمل قيمة أكبر ، وتتغير الثقافة الاتكالية ، ثقافة العتب الدائم على الحكومة ومؤسساتها حتى لو كانت مظلومة ، ثقافة النظرة الأبوية لصاحب العمل وهي الحكومة ، التي يبقى لعامل الاستقرار الاجتماعي ، الدور الاكبر في الاستقرار الوظيفي للعاملين فيها ، بغض النظر عن انتاجيتهم ، فهي تمنح المجد والكسول ، فرص عمل ومداخيل شبه متساوية ، تشمل برحمتها الجميع ، وتتسامح مع الجميع ، وهذا لن يكون في عهد الخصخصة ، حيث العمل المنتج هو المعيار الأساس ، وعلينا منذ الآن ، ان نتهيأ لهذه القيم الثقافية الجديدة ، التي تقوم على احترام العمل .
m_nasrawin@yahoo.com