الأردني الذي يشرع خيمته للريح وللعابرين، يتقاسم مع الضيوف الجياع خبز الدار ووعاء اللبن ، لا يبخل بدمعه إذا مس سوء قلب الوطن...
والأردني الذي يضحك لبلوغ السنابل سن الحصاد ،ويفتح حدود الحقل للعصافير المعوزة، يمشط السهول بغنائه
المبحوح و يخيط خير الأرض بكرم السماء شاكراً ..يعرف أن الوطن المزروع حُبّا سيحصد طمأنينة لا محالة..
***
هذا الأردني الممتد بين الخيمة والحقل، الذي ان شبع شكر وان جاع صبر..هو رصيد الوطن الدائم ،وهو الاحتياطي الخالد للـ»ايام الصعبة»..الأردني ليس بحاجة لامتحان حتى يثبت جدارته بإخلاصه لهذا التراب، ولا يلزمه فحص مخبري حتى يتأكدوا من «انزيمات» عشقه أو قوة «هيموجلوبين» العلم الذي يرفرف فوق زوارق العقبة الى جمرك الرمثا..هو مخلص في الفطرة ،منتمي بالسلوك، لا يستعرض أن ضحّى...ولا يستسلم أن غلبه رغيف العيش...
الأردني ، عندما يبيع أرضه ليدرس أولاده في الجامعة يكون بالضرورة مخلصاً لوطنه، الأردني الذي يحمل «تنكة» الباطون على كتفه ويصعد بها الى الطابق الثالث في بناية تحت الانشاء يكون مخلصاً لوطنه، الأردني الذي يعود آخر النهار بكيس خبز اشتراه من عرق جبينه لأطفاله المتحلقين حول المدفأة يكون مخلصاً لوطنه، الأردني الذي «يكعبل» الوصفة الطبية خاصته ويشتري بثمنها كتاباً لابنته الجامعية يكون مخلصاً لوطنه...الأردني تحمّل كثيراَ ونجح في كل مراحل «توفل» الصبر والصمود على الظروف الاقتصادية ، آن الأوان أن تريحوه قليلاً وتلتفتوا إليه قليلاً وتردّوا له جزءاً من هذا الوفاء..
ما احتاجه الوطن يوماً الا وكان أمامه وفي صفه ، وما نصبت خيمة عزاء الا وتلثّم ووقف في صفوف المكلومين، وما افتتح صيوان فرح الا وفرش عباءته لأول المهنئين...يستحق هذا الأردني المخلص للهواء والتراب ان يُلاقى بذات العاطفة والاخلاص والأصالة... يستحق ان يشعر ان هناك من يوجعه قلبه عليه كما يتوجع قلبه على الوطن...كل ما يريده منكم ، ألا يستغفل أكثر، والاّ يعصر أكثر، فقد دفع كل ما يملك ولم يبق لديه سوى صدق العاطفة...
أتمنى على كل مسؤول قبل أن يتخذ قرارا يمس عيش الناس ورغيف البسطاء.. فقط أن يمشي في «وسط البلد»، أو أن يقف في مفارق القرى ومداخل البلدات المنسية وينظر طويلاً في وجوه الأردنيين وعيونهم هناك.. هل يجرؤ بعدها في القسوة عليهم؟ لأ أظن!.. لأن في عيون الأردنيين الطيبين وطن معتق بالدمع والدعاء... لا يقرأه الا من احترف أبجدية الوفاء...
الرأي