شهد البرلمان منذ انشائه في عهد امارة شرق الأردن حقبا واطوارا سياسية واجتماعية مختلفة, تباينت في ادوارها وادائها وفقا للظروف التي حكمت كل حقبة, فالمجالس التشريعية التي عايشت فترة الانتداب اختلفت كل الاختلاف عن المجالس النيابية ما بعد الاستقلال, والأخيرة اختلفت قطعا عن مجالس النواب التي عقبت فك الأرتباط, فمن الصعب للباحث والقارء ان يُجري مقارنة في الاداء والدور لاختلاف البيئة السياسية والاجتماعية والقانونية وايضا في طبيعة انتاج البرلمان, والتي تحكم دورا كبيرا في مخرجات العملية البرلمانية.
على سبيل المثال لا الحصر وفي غضون عقد واحد لم يمكن دستور عام (1946) مجلس النواب الأول من حقه الأصيل في اقتراح القوانين, فيما تمكن مجلسي النواب الثاني والثالث من لعب دور محوري وهام في اقرار دستور عام (1952) العصري والديمقراطي, واختلفت المجالس من حيث التركيب فالمجلس النيابي الثاني استطاع تشكيل حكزمة حزبية, والمجلس النيابي الحادي عشر (89) تميز بتنوع التركيبة السياسية داخله, بينما عقبه مجلس نواب ذو اغلبية عشائرية ونخبوية, انطلاقا من هنا من الصعب الحكم بشكل قطعي على الأداء العام للبرلمان على مر تاريخه, ولعل الملاحظه هنا ان التركيبة النيابية والتي يتحكم بها قانون الانتخاب هي العامل الأول كاسس للعمل البرلماني.
وسواء ان اتفقنا ام اختلفنا في اداء البرلمان الأردني ضمن سياق تاريخي نلاحظ ان الفيصل يكون بالاسقاط طرديا ام عكسيا على العلاقة ما بين الهيئتين التنفيذية والتشريعية, فالعامل المشترك بين المجالس المتعاقبة كان ضعفها وهوانها امام توغل ونفوذ الحكومات المتعاقبة في شؤون البرلمان الداخلية وفي عملية انتاجه ايضا, وفي ذات السياق فان ضعف التركيبة البرلمانية ساهم في مخرجات برلمانية قاصرة على صعيدي التشريع والرقابة, اتاح ذلك جعل اليد العليا في العلاقة للحكومات, فمن الجدير بالذكر, ان (12) مجلسا نيابيا من اصل (16) منتهية ولايته لم يكمل مدتة الدستورية وانهى الحل حياة هذه المجالس, فمن البديهي ان مجلسا استغنى عن موضع قدمه في تشريع قانون انتاجه "الانتخاب" لن يكون له اليد في التحكم بمصيره, كل ذلك ساهم في اضعاف البرلمان كمؤسسة تشريعية ورقابية وانتاج برلمانات ملامة على الدوام امام الرأي الرسمي والشعبي.
اليوم وبعد ان انهى مجلس النواب السابع عشر اقراره لقانون الانتخاب الجديد,وبالرغم من الملاحظات المختلفة التي لاحقت اداء المجلس بهذا الصدد, الا انه يذكر له سابقة نوعية من العمل الجاد والمضني على مدى اربع شهور من الحوار المستفيض مع القوى السياسية المختلفة, وما جاء على ذكره تقرير "راصد" يظهر السعي الحثيث للنواب بما مجموعه (423) مداخلة, و(220) اقتراحا تقدموا بها النواب, هذا النشاط النيابي يلغي حقبا سابقة كان يسود فيها قانون انتخاب "مؤقت" او قانون انتخاب يقره النواب كمن يحفر قبرا بيده لما سيعقب اقراره من حل للمجلس, والدعوة لانتخابات نيابية جديدة على امل تغيير القواعد النيابية, لكن في ظل اجواء نيابية مرتبكة كان ذلك مستحيلا, اليوم فان عامل الثقة والنجاح لعب دورا هاما في عمل النواب, فاثبت تماسكا وانسجاما في كتله النيابية, واستطاع اقرار حزمة من القوانين الناظمة للحياة السياسية, واستطاع تعديل نظاممه الداخلي للعام (1996) مضيفا اصلاحا وتطورا ملموسا عليه, هذا النجاح يجسده الترابط المحكم بين التركيبة الحالية للنواب و امال مخرجات قانون الانتخاب الجديد, في ترسيخ وتجسيد دور الكتل النيابية والتي استطاع المجلس الحالي من نقلها موضع النظرية للتطبيق, على عكس مجلس التواب السادس عشر والذي شهد كتلا هشة ومتفارقة ومتنازعة الامر الذي افضى به نحو الحل.
ان وصول مسارنا لاستحقاق الحكومات البرلمانية, فان المجلس الحالي يعد كضوء المنارة لقرب تحقيق هدفنا الاسمى, ان ما نشهده في هذا المجلس هو نتاج تطور وسياق تاريخي مكن مؤسسة النواب من التمايز في سلطاتها و اختصاصاتها, واخص بالذكر التطور الواقع على مؤسسة النواب لا على النواب كأفراد, فمجلس النواب السابع عشر يضم تحت قبته ثلثي عدد اعضائه لم يكن لهم تجربة نيابية سابقة, ان مفرزات البيئة السياسية والقانونية والاجتماعية باتت تؤتي ثمارها فالانفتاح السياسي وتجدد النخب والوعي الشعبي وما انتجته التعديلات الدستورية للعام (2011) بتقييد الحل, وتطور التشريعات الناظمة يجعلنا عى يقين من تسارع وتيرة التطور الديمقراطي ومع الثناء على مجلس النواب الحالي فان القادم افضل بكل تأكيد لكون التركيبة النيابية ستحكمها الاطر الانتخابية قبل الاطر النيابية ما يشجع على المضي قدما في العمل والانجاز.