اتصل فهمان بصديقه أبو الثقافة مذكرا إياه بموعد ندوة تقام ضمن فعاليات السلط مدينة الثقافة الأردنية لعام 2008 حول أساليب ترشيد استهلاك الطاقة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار البترول مؤكدا على ضرورة الوصول لقاعة الندوة قبل الموعد بما لايقل عن نصف ساعة ليتمكنا من حجز مقعديهما في الصف الأول مبررا ذلك بحرصه على التمكن من الإستماع والمناقشة بشكل جيد لتحقيق أعلى درجة من الفائدة بموضوع الندوة الهام . أدرك أبو الثقافة بأن أحدا ما يقف بجانب صديقه هو المعني بالجزء الأخير من الحديث حيث اعتاد دائما هو وفهمان أن يزاحما الجمهور للجلوس في الصف الأول دون معرفة ان كانت محاضرة عن تخصيب اليورانيوم أم حفل فني للمرحوم عبده موسى وإنما من باب الظهور بمركز إجتماعي محترم ولتظهر صورهما في صحف اليوم التالي جنبا إلى جنب مع صور زبائن الصف الأول من الوجهاء والمسؤوليين أو على الأقل ليخبر كل منهما زوجته بأنه كان في القاعة الفلانية كتف على كتف مع معالي فلان و سعادة علان .
وصلا القاعة مبكرين حسب الخطة ، لم يجدا في استقبالهما أحد سوى ( حسنين ) حيث كان قد شارف على الإنتهاء من مسح الكراسي ، جلسا في مقعدين وسط الصف الأول ليكونا مباشرة في مرمى كاميرا تلفزيونية كبيرة نصبت في القاعة بعد أن نقلا للمقاعد المجاورة قطعا كرتونية صغيرة كتب عليها محجوز لمعالي راعي الحفل والضيوف وهما يتمتمان ( ليش همو أحسن منا ) .
في الموعد المحدد بدأت بالتوافد للقاعة مجموعات صغيرة ملأت أجزاء من الصف الأول والثاني وجلس البعض في الصفوف الأخرى على مضد ، بعد مناكفة مع منظمي الندوة ممن حاولوا اقناعهم بترك الصف الأول والجلوس في مقاعد أخرى وبدأت رحلة انتظار دخول معالي راعي الحفل للقاعة حيث كان قد احتجزه المنظمون بحجة تقديم الضيافة له بينما الحقيقة اقتناص مزيد من الوقت أملا بحضور المزيد من الجمهور ( مشان بياض الوجه ) .
وقف الجميع تحية لمعاليه باستثناء فهمان وأبو الثقافة خوفا على مقعديهما ، عزف السلام الملكي متبوعا بآي من الذكر الحكيم ليبدأ المحاضرون الحديث بموضوع الندوة ويتفرغ الجمهور للوشوشة والأحاديث الجانبية . بدأ أبو الثقافة حديث الذكريات مع صديقه فهمان وكيف كان أيام المدرسة وحتى في الجامعة يهرب من الصف الأول ملتجئا للمقاعد الخلفية خوفا من أعين المراقبين عند الإمتحانات واختباء من المدرسين اتقاء لشر سؤال يكون ضحيته عادة جلاس المقاعد المتقدمة . استذكر فهمان معاناته وكم ذرف من الدموع عندما أدخله الأهل عنوة للصف الأول ( الإبتدائي ) مجبرينه على هجر متعة اللعب في البيت والحارة . لم يفتهما أيضا استحضار صورتيهما مع بعض المصلين في المسجد يوم الجمعة يمارسون رياضة قفز الحواجز فوق رقاب من سبقهم من المصلين حرصا على الأجر المضاعف لمن يصلي في الصف الأول متناسين العبرة في الوصول مبكرا للمسجد .
انتهت الندوة وغادر فهمان وأبو الثقافة القاعة ليشاركا مجموعة من جمهور الندوة جلسوا في المقهى المجاور لتقييم مادة الندوة وكفاءة المنتدين حيث أجمعوا على عظم استفادتهم منها وعلى ضرورة أن تقوم الجهات المعنية بتقديم المزيد من الندوات ونجح اقتراح أبو الثقافة بأن تكون أول الندوات القادمة عن ترشيد استهلاك الطاقة !! متغلبا على اقتراح آخر بأن يكون عنوان الندوة القادمة ( عقدة الصف الأول وطرق علاجها ).
mustafawaked@hotmail.com