تلك قضية قديمة متجددة، عالجها اخصائيون في علمي النفس والاجتماع ومؤرخون وأدباء، تتلخص في ان البعض من البشر يبلغون سن الرشد بالمعنى البيولوجي فقط، وكذلك بعض الشعوب.
وما كان للنظم الابوية او الباترياركية ان تستمر في التاريخ حتى عصرنا لولا ان هناك من يهربون من الحرية كما يقول اريك فروم، ويصابون بالشلل الارادي بحيث يدمنون الوصاية وبالتالي التّنبَلة!.
واعرف حكاية عن رجلين كانا يعملان منذ الطفولة في بيت اقطاعي عربي، وحين فكر باعتاقهما كي يتدبر كل منهما نفسه وفّر لهما فرص عمل خارج البلاد، وبعد اقل من شهر كانا يطرقان باب داره وهما يبكيان .
وهناك شعوب حققت بشكل او بآخر استقلالها ومنها من دفع الثمن غاليا لكنها انتهت الى ما انتهى اليه الرجلان اللذان عادا الى بيت سيدهما لأنهما لم يطيقا الحرية، وقبل اسابيع فقط كتب اميركي ممن لهم علاقة بالاستشراق عن العرب الذين امتلكوا كل وسائل وادوات وعناصر التحرر من الوصاية، لكنهم عادوا بمحض ارادتهم الى الارتهان، ويبدو ان لكل زمان غساسنته ومناذرته كما ان لكل زمان فُرسَه ورومَه ايضا رغم تبدل الاسماء .
سن الرشد بالمعنى الفكري والسياسي هو سن الاستقلال، واستعادة الحرية المفقودة، وعليه تترتب المسألة كلها، وربما لهذا السبب كتب الاغريق القدماء على شواهد قبور ابطالهم ان العبيد لا يدافعون عن الاوطان، بل يسارعون الى اعلان الولاء للمالك الجديد .
وحبذا لو يتفضل احد الفقهاء في علم الاستقلال ويفسر لها كيف عشنا قرنا كاملا من الزمن بين قوسين، واسمين بحروف لاتينية، قبل قرن كان الثنائي سايكس وبيكو قد رسما لنا تضاريس هذا العالم العربي والان ثمة ثنائي آخر يعيد رسم هذه التضاريس .
واذا كان الانسان الذي يتجاوز عمره الستين او السبعين يبحث عن وصيّ او أب جديد حتى لو كان زوج امه، فإن هناك مجتمعات تفعل ذلك لكن بعد ان تبلغ الألف الثالث او الرابع من عمرها !
ان ما يحدث الان يفرض علينا اعادة تعريف العديد من المفاهيم بدءا من مفهوم الاستقلال حتى مفهوم الشراكة لكن بالمعنى الذي حدده الاستعمار الجديد كي يعطي للتبعية والخضوع الجديد اسما لا يستفزّ المسمى!
الدستور