مرة اخرى تثبت الأحداث أن الأردن في عين الإرهاب، وما حدث في إربد أمس الأول يؤكد أن منظومة الإرهاب في المنطقة تستهدف أمن الأردن واستقراره، ليس لأنه -فقط- بلد يدعو ويعمل للتسامح ونبذ العنف، ويصر على كشف أوكار التطرف والإرهاب، بل لأنه -عملياً- رأس حربة ضد هذا الإرهاب الأسود، الذي يريد تدمير الأمة، وجرها إلى مهاوي الدم والتدمير. هذا البلد -على امتداد العقود- شكل صخرة كأدَاء في وجه الفوضى والدمار، الذي تريده منظومة الإرهاب في مجتمعات الأمة تنفيذاً لأجندات مشبوهة في العالم لا تريد خيراً بنا، وظلت القيادة الأردنية، ومن خلفها أبناء الأردن عكسريين ومدنيين تؤشر على أوكار هؤلاء القتلة -الذين قسموا الأمة إلى فسطاطين، فسطاط كفر وفسطاط إيمان على حد زعمهم- وتدك حصونهم وأوكارهم، حتى باتوا مكشوفين بأحلامهم المريضة للقاصي والداني. وقدم الأردن عبر السنين الطويلة قوافل من الشهداء في سبيل الهدف السامي، ليس دفاعاً عن نفسه فقط، بل عن الأمة بكاملها، ورسالة الإسلام، رسالة المحبة والسلام والاعتدال والوسطية واحترام الآخر والاعتراف به.
ما حدث في اربد وما قد يحدث لا قدر الله تعالى في المستقبل لن يزيد الأردنيين إلا تماسكاً وإصراراً كبيراً على الهدف الأسمى في الدفاع عن حق الحياة لأبناء هذه الأمة المنكوبة بالخوارج الجدد، هؤلاء القتلة الذين لا يعترفون بأحد، خارج عصاباتهم، ولا يفرقون بين كبير وصغير، وبين رجل وامرأة، واستوت عندهم معاني الحياة والقتل. إننا اليوم مدعوون جميعاً إلى رص الصفوف وتمتينها حتى نكون سداً منيعاً في وجه الوحش الذي يستهدفنا ويستهدف مستقبل أبنائنا ويستهدف عقيدتنا.
الشهيد النقيب راشد حسين الزيود ليس الأول في هذه المعركة، ولن يكون الأخير، فما زالت روح الشهيد معاذ الكساسبة وأرواح الكثيرين من أبناء هذا الوطن تحلق في سمائنا، فقدر أبناء الأردن أن يزفوا شهداء إلى العلياء دفاعاً عن وطنهم وأمتهم عبر العقود الطويلة؛ لأنهم حملة رسالة يسعون إلى هدف سامٍ في الحياة، نحو مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وكرامة أمتهم. من المؤكد أن بؤر الإرهاب والترويع تستغل أجواء الانفلات في دول الجوار، لتنفيذ مخططات إرهابية على الساحة الأردنية، لخلخلة الأوضاع الداخلية، للنيل من أمننا واستقرارنا، لذلك على كل مواطن منا أن يكون رجل أمن في تنبهه ويقظته إزاء كل مشبوه يحاول المس بالأمن والاستقرار، ليكون خط دفاع مهابا، لكل عدو متربص. إن استهداف الأردن -كما أشرنا- ليس غريباً وليس جديداً، نتيجة مواقفه من آفة الإرهاب، وأصبح هذا البلد أنموذجاً في الاعتدال والوسطية يعكس الصورة الحقيقية للإسلام، وهو ما جعله -كما أسلفنا- مستهدفاً من قبل الإرهاب، الذي بات العدو الأول للحياة والبناء.
لقد كان الأردن في طليعة من تنبه إلى ضرورة المعالجة الفكرية والتربوية لقضية الإرهاب والتطرف في موازاة المواجهة الأمنية والعسكرية، لسد الطريق أمام هؤلاء القتلة الذين يمارسون هوايتهم في القتل تحت عباءة الإسلام زوراً وبهتاناً. نعود لنؤكد أن الإرهاب فكر مريض وغريب عن الإسلام، وعن ثقافة الأردنيين، لأن ترويع الآمنين ليس من الإسلام بشيء، وقتل النفس -مسلمة وغير مسلمة- محرم بالإجماع، فالإسلام قائم على الاعتدال والوسطية والتسامح، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين»، وقد أعطى الإسلام مرتبة عالية لقيمة الحياة: « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما». إن ظاهرة الإرهاب الإجرامية تشكّل لائحة اتهام تطول رؤوساً كثيرة من «شيوخ» التطرف الذين عاثوا فساداً في عقول الشباب، ورشقوا كل هذه الجرائم في المجتمعات الإسلامية، فكانت هذه النتيجة من الإفرازات السامة التي لوثت عقول هؤلاء الشباب الذين خرجوا على كل معاني الحياة والوطنية وتسامي العقيدة، فهؤلاء «المشايخ» بدل أن يزرعوا في عقول الشباب المعاني الطيبة والأصالة الحقيقية لمفاهيم الإسلام، ليطهروا عقول هؤلاء الشباب بكل ما هو إيجابي، عاثوا فساداً في هذه العقول، فكانت هذه النتيجة من انحراف العقول والقلوب والجوارح، حتى وصل أصحابها إلى هذا التفكير الفاسد. لقد أقسم الأردنيون أن لا يمر هؤلاء القتلة من بين صفوفهم وأنهم سيكونون لهم بالمرصاد على المدى.
مرة أخرى ننحني بين يدي أبناء أجهزتنا الأمنية في مقدمتها رجال المخابرات العامة «فرسان الحق»، وقواتنا المسلحة الذين ما خاب الأمل فيهم يوماً ولن يخيب بإذن الله تعالى، فهم سياج الوطن ودعامته وحارسه الأمين، وحارس استقراره، فعلينا جميعاً أن نقف خلفهم في مهمتهم الوطنية السامية، حتى يبقى الواحد منا يمشي من الطرة إلى الدرة لا يخشى إلا الله على نفسه وماله!!. وستظل معركتنا مع الإرهاب مفتوحة حتى آخر رصاصة غادرة بيد إرهابي حاقد جاهل.
الدستور