عروس الشمال وحنّاء راشد الشهادة
عمر كلاب
03-03-2016 11:35 AM
استأذن في الكتابة على شكل بوح، ملتمساً الابتداء بصورة العميد حسين راشد الزيود ذي الشوارب الكثّة والرتب الرفيعة كأول حالة أنسنة اردنية في استقبال اللاجئين السوريين وتكريس نهج الهاشمية بوهجها الاردني على هيئة جندي يحمل طفلة لاجئة من نيران الارهاب مستحضرا تهدج نبرته وهو يرثي بكره راشد على شكل معادلة وطنية تختصر كل الكيمياء الاردنية (لا أمن بلا فداء) ولا خير فينا ان لم نجبه بمعادلة موازية (لا أمل بلا وفاء) لطهر الشهادة ودم الشهداء من وصفي الى راشد مرورا بمعاذ وكليب الشريدة وفراس العجلوني وكل الاسماء “ فنم يا راشد ساعة، عليك ضفائر الاردنيات كفناً وعليك السلام”.
كنت اقرأ ما قاله العميد حسين الزيود “نخوتنا” وهو يسعى لبلورة موقف وطني ومعادلة اردنية بدموع القلب بعد ان نقل الرذاذ صورة راشد مع طفلته , وصور كثيرة لشاب فتح لنا باب الحياة وفُتحت له ابواب الجنان شهيداً , فدى بدمه اطفالنا وخبزنا وحليبنا ووطننا، وكانت صورة راشد الشهيد حاضرة مع اغاني الحنّاء، فعروس الشمال لا تزُف بدون ان نُرَوّد لها ونكحل عيونها ونحنّي اصابعها حتى ولو كانت الحنّاء على شكل دماء، فتلك العروس المزدانة بالخضار من حوران وبحمرة الدحنون من نبع الشهادة وذهب سنابل القمح , مطمع ومطمح , والدفاع عن شرفها وعزّتها واجب قام به نيابة عنّا فرسان أمنوا بوطنهم وصلّوا قبل المهمة لرّبهم، معاهدين قائدهم على النصر او الشهادة , فناب عنهم “راشد الخير” في الدم ونابوا عنه بتطهير الارض من الرجس حتى يرقد في مثواه برائحة المسك دون دنس.
قد ينتقد نفر ما اكتب في تلك اللحظة على شكل شِعر في مواجهة الارهاب والكفر، لكنها لحظة اثبتنا فيها نُبل شِعرنا بصدق شعاراتنا “انها حربنا” وهي كلمة السر لجمع شملنا، فقدرنا ان نتوحد بدم الشهداء كما توحدنا قبلاً على نصرة العراق وتحرير فلسطن والهاشميين , فلا أنبل منا الا وطننا الذي وحدنا على الطُهر، وبنيناه على الطهارة فبنته اللغة على “الضَمّ” فصار مضموماً بين جنباتنا وضممنا هو, مشاريع شهادة بين ضفتيه، فأوله نهر وآخره بحر.
خلال سنين أربع تنوف قليلاً وتنحني كثيراً، استهلكنا أمننا حد التعب، فذابت فلذات أكبادنا في الجيش والاجهزة الأمنية في ملح العرق وبرد الصحراء , حتى ولجنا الى عصارة قلبهم فكدنا نَزِّل ونقول استنفذناهم , فهذا الوقوف بعيون محدّقة واصابع على الزناد يحتاج الى ما فوق احتمال البشر , واحتملوا بصبر المؤمنين وصابروا , وفي كل مرة تشرأب الرؤوس بهم فخرا , فما زالوا على الوعد والعهد وما لانت عزائمهم ولا وهنت قواهم ولا تسلل الزيف الى وعيهم , وبنادقهم موصولة ببوصلة , هاديها القلب النابض شرفاً وعروبة.
بفضلهم نجونا من زيف على شكل ربيع , فهم يعرفون الفرق بين الهالوك الذي ينمو أخضرَ بين حقول القمح وعلى هيئته , وبين سنابل تحني رأسها للاقتراب من الارض طاعة لخالقها، وهذا ما أضل سياسيون تشابه القمح والهالوك عليهم , فدخلوا المرحلة على شكل مغالبة , في اخطر مفصل تعرضت له الدولة الاردنية وكيانها السياسي , فنجونا بفضلهم وتلك الفاصلة التي يجب البحث عما بعدها في وطن يعيش حالة التهاب في جواره وتمكن باقتدار منع وصول الفيروسات اليه سواء على شكل ارهاب مستتر بالدين او رهاب من هيبة الدولة مستتر برطانة الاصلاح.
ناسين ان الاردن بقيادته وشعبه وبجيشه تمكن من اشتقاق معادلة على شكل “شيفرة” وطنية تنجح في كل مواجهة على سرطانات السياسة وكتلها الارهابية ، فكل مواجهة كان التحشيد الوطني فيها يفوق الوصف وفي كل شهادة كانت اللٌحمة ترتفع ولا بد من استثمار اللحظة المدهشة بالوحدة واثبات ان موارد باطن الاوطان ليست سرّ قوتها بل القوة في الرسالة التي حملتها الاردنية الهاشمية على هيئة تاريخ راسخ لا جغرافيا فقيرة الوارد .
لان استنهاض التاريخ يعكس نفسه قوة على الجغرافيا التي هي تاريخ ثابت، وهذه فرصتنا المثالية بعد ان باتت الوحدة الداخلية لحناً وطنياً وليس نغمة كما في علم الموسيقى لان اللحن نغمتان متصلتان وهذا ما كان في حربنا على الارهاب من معاذ وراشد بحيث تحولا الى ايقونات وطنية يرعاها الامن والجيش باليد اليمنى والشعب والاصلاح باليسرى، فلا اصلاح من غير جيش، لانه الضامن لهيبة الدولة ولا أظن اننا نتحدث عن اصلاح في فضاء وهمي لا جغرافيا تحضنه بتاريخها.
راشد الزيود جاد بدمه ليذكرنا بأننا لم نلتقط وهج شهادة اخيه معاذ الكساسبة بضرورة مواجهة هذا الفكر بصرامة وصلابة على مستوى السياسة والفكر، كما يفعل الجيش في مواجهته عسكرياً وأمنياً , فنحن اول من يطلق المواجهة وآخر من يعمل على المتابعة , وتلك اكثر مآسينا من ساستنا وأحزابنا ومجتمعنا.
الدستور