كان المطلوب ان أقول كلاماً قصيراً عن «هيبة الدولة»، ولم اكن على علم بما يجري في اربد.. عروس الشمال، لذلك غاب عن الذهن اهم ما في هذه الهيبة.. وهو الامن، واشاعة روح التفاؤل بالمستقبل، واليقين بان البناء الثابت للدولة سيعيد كل شيء الى رصيد حياتنا الوطنية.
كنت اقول لنفسي: ان هيبة الدولة هي فرض المصلحة الوطنية، وتنفيذ حكم القانون على الأفراد والجماعات. وقد فعلت القيادة خيرا كثيرا حين جعلت من قوى الامن نمرا أليفا يعيش بيننا: فالخوف من السلطة المسلحة هو شعور لا يليق بالاردنيين. فالاحترام وحده هو العلاقة الطبيعية بين المواطن والأمن المسلح.
لقد تميز الاردن طيلة سنوات «الربيع العربي» بانه دولة الامن والقانون، ورغم سبعة آلاف تظاهرة واعتصام لم تسقط نقطة دم في الشارع. ولم تتم اهانة واحد.. ويعلم الله كم تأذى ابناء الامن العام، وكم من الضحايا قدموا من اجل ترسيخ دولة القانون والنظام.
لكن الربيع العربي اطلق نوعا من التعرض لمصلحة الدولة والمجتمع. فحدث الاستقواء على الدولة بالطريقة ذاتها التي استعملها «الثائرون» لتدمير اوطانهم، وكيان دولتهم.
- لقد اعتدى الكثير على ماء الشرب في الوقت الذي تتكلف الدولة مليار دينار لجر مياه الديسي الى عمان، وملايين كثيرة لنقل المياه من الاغوار بضخ ملايين الامتار المكعبة الى جبال السلط بارتفاع 1300 متر، او مياه الابار الارتوازية، او الاعتداء على اجمل واحة – واحة الازرق – وتنشيفها لنضع كأس ماء على الطاولة، فنسمع وما نزال ان الفاقد وصل في البادية الشمالية 70% مياه الشرب، و50% وهي على الطريق من المصدر الى المدن. ثم نكتشف بان هذا الفاقد هو سرقة مواطن يحمل كلاشينكوف ويهدد البلد والدولة.. وجاره في البيت.
-واعتدى كثيرون على جيب المواطن فراحت مليارات ونقول مليارات وليس ملايين ضحية نصب البورصات الدولية، والوعد باعطاء المواطن 30% فوائد على ماله، او شراء سيارة المسكين باعلى من سعرها بالسوق، وبيعها الى مسكين آخر باقل من سعرها بالسوق.
-واعتدى كثيرون على مال الشركات المساهمة اكثر من اعتدائهم على اموال الخزينة. وعلى اموال البنوك بفساد اداراتها.
.. كل هذا هو الذي قلل هيبة الدولة، وليست التظاهرات والاعتصامات، والمطلوب الآن من الحكومات الخروج من كذبة الشعبية الزائفة، والخروج من الخوف لفرض احترام القانون والتشهير بالفساد، والفاسدين ووضعهم أمام الرأي العام كما هم.
لسنا بحاجة الى «محاكم ثورة» فمحاكمنا تكفي وتزيد، وكل المطلوب هو اطلاق يد القضاء وتحديثه فالامن القضائي جاهز، وقادر وحاسم.
هيبة الدولة هي فرض مصلحة الجماعة، وانفاذ سلطة القانون. والتقليل قدر الامكان من «اللطف الزائد» امام الارهاب باشكاله المختلفة.
وهيبة الدولة أولاً وأخيراً لا علاقة لها بالرحمة، واليد الحانية، والتجمّل بالصبر، فهذه مفاهيم غير حضارية وغير مجدية.. ويمكن ان تكون مشجعة على الارهاب.
الرأي