عملية إربد : بواعث القلق والاطمئنان أيضا ..
حسين الرواشدة
03-03-2016 02:31 AM
ما حدث في إربد ليلة الأربعاء أقلقنا وأثار مخاوفنا، لكنه طمأننا ولم يفاجئنا أيضا.
بواعث القلق بالطبع مفهومة، فقد استمرت المواجهات بين رجال الامن وبين “عصابة الخارجين على القانون “ طيلة ساعات الليل، واسفرت عن استشهاد البطل راشد الزيود رحمه الله ومصرع سبعة من المطلوبين، وفيما لم نعرف بعد، بشكل رسمي، هويه هؤلاء الاشخاص ولا من يقف وراءهم، ولا عدد افراد الخلية التي ينتظمون فيها ولا من اين جاءوا ولا كيف تمكنوا من الحصول على هذا الكم من الاسلحة والمتفجرات، فان نجاح العملية طمأننا على جاهزية قواتنا الامنية وقدرتها على الرصد والمتابعة وكفاءتها في مواجهة مثل هذه العصابات وافشال مخططاتها، كما طمأننا ايضا على “عافية” مجتمعنا الذي عبّر بوضوح عن رفضه لمثل هذه الاعمال الاجرامية، ووقوفه جنبا الى جنب مع جيشه ومؤسساته للحفاظ على امن البلد والتضحية من اجله بكل ما يستطيع.
بواعث القلق - اذا - تتعلق، على الاقل، بثلاث مسائل : الاولى هي قدرة هذه العصابة ( خاصة وان المعلومات الاولية تشير الى ان المتورطين فيها يحملون الجنسية الاردنية ) على التسلل الى مجتمعنا، والتمكن من ايجاد حواضن اجتماعية فيه، حتى لو كانت ضيقة ومحصورة، لتنفيذ مخططاتهم، اما المسألة الثانية فهي ان “التربة “ الفكرية التي خرجت منها هذه العصابة - ان صحت المعلومات - محسوبة على خط “السلفية الجهادية” التي ينطلق منها تنظيم داعش الارهابي؛ ما يعني ان هذا التنظيم الذي يحظى بتعاطف عدد من ابنائنا ( بعضهم التحق به وبعضهم ما زال بيننا ) انتقل من دائرة الجذب والتعاطف الى دائرة “التمدد” والفعل المباشر، كما يعني ان بلدنا اصبح هدفا مباشرا له، ومع التقدير والاحترام لدور اجهزتنا الامنية في مراقبة وضبط مثل هذه الخلايا الارهابية، الا ان لدى هذا التنظيم الخبيث - كما نرى من حولنا - ما يمكن ان يفاجئنا به؛ ما يقتضى منا المزيد من الحيطة، ليس امنيا فقط وانما في كل المجالات التي من شأنها ان تقطع عليه الطريق وتجفف ينابيع التطرف والتشدد داخل مجتمعنا ايضا.
اما المسألة الثالثة التي تثير قلقنا فهي ان العملية جاءت في سياق تزامن مع تهديدات متكررة سمعناها من مسؤولين في دول مجاورة، وكانت “فجة” بما يكفي لاستفزاز مشاعرنا وهواجسنا ايضا، كما انها تزامنت مع اشتعال المواجهات بالقرب من حدودنا الشمالية مع سوريا، ومع اقتراب ساعة الحسم بين الروس والنظام السوري من جهة وبين نحو “40” من المقاتلين الذين ينتسبون لتنظيمات مختلفة - ابرزها داعش والنصرة-، من جهة اخرى؛ ما يعني ان توقيت العملية كان دقيقا ومقصودا، كما ان رسائلها تبدو مفهومة وحازمة وموجهة لاكثر من طرف، اما دلائل نتائجها فتحتاج الى مزيد من التدقيق، ومن المبكر الخوض في ذلك.
حين ندقق في بواعث القلق نجد ان بلدنا يتعرض لمخاطر جدية، ربما يكون عنوانها “الارهاب” لكنها تتمدد على ارضيات وخلفيات واهداف اخرى متعددة، واعتقد ان كثيرين ممن حولنا لا يريدون ان يبقى الاردن “استثناء” وسط هذا المحيط الملتهب، كما نجد ان المرحلة القادمة تتطلب منا ان نفتح عيوننا اكثر لان ساعة الحقيقة في هذه المنطقة دقّت فعلا، وعلينا ان نتوقع بان “شرر” النيران سيصلنا . نجد -ايضا- ان مجتمعنا تعرض على مدى السنوات الماضية لموجات من “اللجوء” كانت محمّلة باصناف من الارهابيين والمتطرفين، او على الاقل باشخاص مدفوعين لهم مصلحة في تقويض امننا، كما تعرض لظروف صعبة تسببت في بروز طبقة من المهمشين الذين لديهم قابلية على الوقوع في فخ التطرف والارهاب، وفي موازاة ذلك، ما زلنا مترددين في مواجهة “تيارات “ متشددة نجحت في التمدد داخل مجتمعنا، واصبح لها نفوذ ومريدون، وحتى حين اعترفنا بان لدينا “معجبين “ بها، ولدينا كذلك مقاتلون معها للاسف، ومنظّرون لها، فاننا لم نتحرك كما يجب لمواجهة هذه الحقيقة ولم نفعل ما يلزم لمحاصرة هؤلاء ومنع امتداد اخطارهم المحدقة.
اكتقي -هنا- بالاشارة الى بواعث القلق، واكمل في اطارين : الاول ان ما حدث لم يفاجئنا لان ما يجري من حولنا من فوضى وحروب عابر للحدود والجغرافيا، ويفترض اننا نتوقع ان تصلنا بعض ارتداداته، فنحن - بالتأكيد- في عين هذه العاصفة التاريخية، كما اننا هدف مباشر للتنظيمات الارهابية، وتحديدا داعش، لم يفاجئنا ايضا لاننا اصبحنا في “الربع” ساعة الاخير من مارثون التصفيات النهائية التي ستشمل سيناريوهات مخيفة، منها الحرب البرية، والتقسيم، ومنها تحديد من هو المنتصر والمهزوم، وتسديد فواتير الحرب ..الخ، وسواء أكنا طرفا لاعبا في هذا المارثون ام اننا لم (ولن) نشارك فيه، فان نتائجه ستصلنا، وليس بمقدورنا الا ان نستبقها بما يلزم من مقاومة، وان نتعامل بما يجب من حيطة وحزم ومواجهة.
اما الاطار الثاني فهو ان هذه العملية التي قدّم فيها رجال الامن، بمختلف مؤسساتهم، أنموذجا رجوليا يستحق الاعجاب والامتنان ايضا، فتحت عيوننا على الصورة المشرقة لمجتمعنا، حيث استيقظنا جميعا على “مجتمع” يتوحد في الازمات ليدافع عن وطنه، ويعتز بتضحيات رجالاته، وكل ما اتمناه ان تكون ذبذبات هذه الصورة وصلت لمن يهمهم الامر، لكي تحركهم نحو الاستثمار في هذا المجتمع، ورد التحية عليه بمثلها او بأحسن منها.
الدستور