في منتصف شهر شباط الماضي ، أبلغ وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون نظراءه الأوربيين في ميونيخ ، أن التقسيم هو نهاية المطاف في سوريا ، أيده بذلك مدير عام المخابرات الإسرائيلية رام بن مبارك ، الذي أكد أن التقسيم هو الحل في سوريا ، وبعدهما مباشرة صرح وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري أن التقسيم هو الحل في سوريا.
كل ذلك كان تناغما تعودنا عليه ، إذ يقوم الإسرائيليون بالتطبيل ، فيقوم الأمريكان بالتزمير ، لكن ما فاجأ البعض منا هو أن يقوم الروس بالرقص ، على هذا التطبيل والتزمير ، بتفجير قنبلة فراغية عنقودية سياسية ، على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف من قلب موسكو وفي مؤتمر صحافي قبل يومين ، وكان فحواها أن موسكو تتمنى على الشعب السوري التوصل إلى إتفاق فيدرالي ، يعني أنه دعا وإن بطريقة ملتوية إلى التقسيم ، وهذا هو سبب التدخل الروسي العسكري في سوريا.
إكتملت اللعبة ، وإرتكز القدر على ثلاث ، فها هي القوى العظمى المتحكمة في المنطقة ، تقرر مصير سوريا ، نافين عروبتها وقوميتها ، إلتزاما بنهج الحكم العلوي البغيض الذي بدأ بخنق سوريا منذ تسلم حافظ"....."الحكم هناك ، بعد أن زج رفاقه من البعثيين والقوميين في غياهب السجون ، وربما نجد بعضهم فيها حتى يومنا هذا.
القصة التي لا يريد أحد أن يتذكرها ، هي أن العلويين وجهوا صفعة قوية وطعنة نجلاء لفرنسا ، التي رفضت منحهم حكما ذاتيا بعد الجلاء ، ولا بد من التذكير أن الصهيوينة وجهت كتبا إلى قادة الجلاء السوري ، تنصحهم بغض النظر عن جنوب سوريا "فلسطين " ، مقابل التعهد بالسعي من أجلهم في باريس للحصول على الإستقلال ، وكان بطبيعة الحال من هؤلاء القادة جد الرئيس بشار "سليمان "........"، الذي كان يطمح بالحصول على جيب علوي مستقل ، لكن الفرنسيين رفضوا ذلك بحجة عدم أهلية العلويين للحكم .
كنا ومنذ أن إختطفت الحراكات العربية ، ودخول الأمريكيين وحلفائهم على الخط لتحديد مسارها ، موقنين ان التقسيم هو مصير العرب جميعهم ، وليس قدر هذا القطر أو ذاك ، ولم نكن نعلم بالغيب بطبيعة الحال ، بل كنا نقرأ مشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي أقره الكونغرس الأمريكي في جلسة سرية عام 1983 ، بعد إنجازه من قبل الحاقد الصهيوين د. بيرنارد لويس ، لضمان تحقيق ضربة قاصمة أخرى ضد العرب والمسلمين توازي ، إن لم يكن أشد إيلاما من الحرب العراقية- الإيرانية التي دامت ثماني سنوات ، وكذلك وثيقة كيفونيم الإسرائيلية التي أقرها الإسرائيليون في 11 حزيران 1982 ، وهذا المشروعان يدعوان إلى تقسيم المنطقة إثنيا وعرقيا ومذهبيا ، ولذلك كنا نقول أننا بإنتظار لمشروع لافروف – كيري ، لينقض معاهدة سايكس – بيكو التي أقرتها فرنسا وبريطانيا عام 1916 ، وقسمت المنطقة قطريا "بضم القاف".
وحتى لا نتهم الآخر بكامل الجريمة ، فإن رأس النظام السوري د.بشار "......." ليس بعيدا عن الصورة ، بل هو يدرك ومنذ تفجير الأزمة ان التقسيم هو نهاية المطاف ، ولا أظن ان شيوخ الطائفة العلوية غائبون عن هذا التصور ، ولذلك أصر على إسالة الدماء غزيرة ، ومارس التدمير بكافة أشكاله ، ولم تسلم مقدرات الشعب السوري من هذا التدمير ، بهدف وصول من يتبقى من السوريين حيا ، إلى القول ":كفى " ، ويطلب هو نفسه لتقسيم ، تماما كما هي اللعبة الدموية النازفة المستمرة في العراق الذي ما يزال على مذبح التقسيم منذ العام 2003 ، لكن الولادة متعسرة لأسباب كثيرة.
عموما ، فإن التقسم ليس قدر سوريا فقط ، بل سيطال غالبية الدول العربية التي ستدخل مذبح التقسيم نتيجة لسياتها السابقة ، التي لم تكن تمت إلى العصرنة بصلة ، بل كان يتعامل مع المواطنين على انهم رعايا ، بلا حقوق ، وبالتالي كان تصنيف هذه الدول على أنها دول فاشلة .
التقسيم بدأ في السودان بالتوقيع على إتفاق نيفاشا عام 2005 ، الذي نص على فصل الجنوب عن الشمال بتوافق الشمال بطبيعة الحال ، ولكن الأردن نجا من التقسيم بعد طي ملف الأقاليم ، واللجوء لتنفيذ السيناريو الثاني وهو التوسعة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، ويتوقع ان يكون عدد سكانه عام 2020 نحو 25 مليون نسمة.
سيقال قريبا :كانت هناك دولة كذا ، بغض النظر عن نظامها السياسي جمهورية أو ملكية ، وسنرى جرائم ترتكب هنا وهناك ، وتحظى بإهتمام العالم ، وأعني بذلك مصر المحروسة التي وصفها مشروع الشرق الأوسط الكبير بالكنز الذي سيرتاح فيها المحراث الأمريكي .
ستشهد المحروسة مصر تفجيرات في الكنائس القبطية وإغتيالات لشخصيات كبيرة ، يرافق ذلك حراك داخي قبطي يدعمه حراك خارجي ، يدعو لمنح الأقباط دولة خاصة بهم تكون الإسكندرية عاصمة لها ..والحبل على الجرار.