روسيا وأميركا تقرعان جرس السلام
د.حسام العتوم
02-03-2016 02:49 AM
بدأت بتحريك قلمي للكتابة عن هدير (الهدنة السورية) الجمعة 26 على 27 شباط في الساعة الثانية عشرة ليلاً تمشياً مع إعلان السلام الروسي الأمريكي حول سورية والذي توجته مكالمة هاتفية يبين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما وحراك سياسي ودبلوماسي طويل المدى بين وزيري الخارجية سيرجي لافروف وجون كيري منذ ما قبل مؤتمر جنيف (1) الهام باتجاه (2) و(3)، وبعد جهود روسية مضنية لإجراء تقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن والوصول معها إلى قناعة نهاية الحرب الباردة بينهما بكافة أشكالها العلنية والسرية والتجديف تجاه عالم الأقطاب المتعددة والمتوازنة، وأحدث الملفان الأوكراني والإيراني تجربة ناجحة بهذا الاتجاه رغم الفرق الشاسع بين السياستين الخارجيتين الروسية والأمريكية في ظل توازن القوة العسكرية بينهما خاصة في مجال السلاح غير التقليدي والوصول إلى قناعة اكيدة ترفض الحرب العالمية الثالثة السرابية المدمرة وتحولها إلى شبيهة لها ولكن ضد الإرهاب المعاصر فقط وإلى تعاون دائم، والأصل هنا أن تتفوق الهدنة هذه على زئير الحرب السورية بين النظام وجيشه بالتعاون مع إيران وحزب الله وروسيا من جهة وبين المعارضة الوطنية غير الموحدة المدعومة من دول عربية هامة مثل السعودية ومن غيرها العجمية مثل تركيا وبين فصائل الإرهاب المنشطرة عن (القاعدة) مثل عصابات (داعش) و(النصرة) المجرمة، واستمرار استفزاز تركي لسورية ولروسيا ولأمريكا إعلامياً وسياسياً وبواسطة الإصرار على اعتبار وحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية تماحكها من خلف الحدود، وتخوف من عقدة عدم شمول مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية بالهدنة واحتمال نسفها لوقف إطلاق النار.
وجهود كبيرة وملاحظة يقوم بها سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني لترسيخ السلام في سورية والمحافظة على وحدة ترابها منذ اندلاع أزمتها وربيعها الذي سرعان ما تحول إلى دموي واستمر قرابة ست سنوات متتالية ولقاءات هامة لجلالته في واشنطن وفي موسكو وفي محافل العواصم الأوروبية والعربية باسم كل العرب بهدف التصدي أيضاً للإرهاب وعصاباته ولمتابعة شؤون اللاجئين السوريين والدول المانحة في مؤتمر لندن ولتحريك عملية السلام الخاصة بالفلسطينيين والإسرائيليين التي لبسها الجمود ووصلت إلى طريق مغلق، ولنا هنا في تقرير المركز السوري لبحوث السياسات لعام 2015 عبرة ونافذة على أزمة الوطن السوري الذي يربطنا به عمق إستراتيجي قومي وحدود متجاورة رغم الاختلاف السياسي وحتى الخلاف في زمن تلاقي عقارب الساعة بين كبريات دول العالم المؤثرة وسط شرقنا الأوسطي، فلقد بلغ إنفاق الجماعات المسلحة والعصابات الإرهابية والإجرامية على السلاح فاق الـ(6) مليارات دولار، فيما بلغ إنفاق الدولة السورية ما يزيد على (14) مليار دولار، وبلغت تجارة النفط المسروق أكثر من (5) مليارات دولار، وقدرت خسائر سورية الاقتصادية منذ بداية الأزمة بنحو (254) مليار دولار، وارتفعت نسبة العاطلين عن العمل إلى (52%)، وواصلت نسبة الفقر إلى (85%) وبلغت نسبة غير الملتحقين بالتعليم (42%) وهذا إلى جانب الدمار المرعب في البنية التحتية والأبنية السكنية.
والمشهد السوري الذي تقدم المشهد العربي عموماً يتجه إذا ما صدقت نوايا نظام دمشق والمعارضة الوطنية رغم عدم توحد صفوفها تحت مظلة قيادية واحدة، وفي ظل الشغب التركي السياسي والإعلامي، ممثلاً بأردوغان واجلو صوب وقف إطلاق النار وتوجيه البنادق مجتمعة وبالتعاون مع التحالف الروسي الأمريكي الجديد إن صح التعبير تجاه مصلّب الإرهاب فقط، وفي التوجه الجديد هذا معانٍ عديدة من أهمها إبعاد شبهة الإرهاب والتطاول على المدنيين السوريين عن كافة القوى المتحاربة والمتصارعة المشروعة في إدارة دفة السياسة السورية وتحريك بوصلتها إلى عمق المستقبل القادم ليعم الاستقرار والسلام ومن أجل إعادة البناء، وحصر الإرهاب ومقارعته في تنظيمات (القاعدة) وفصائلها المصنفة والمعروفة مثل (داعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام) والتفرغ لسحقها وطردها من البلاد السورية الواسعة ومن حيث أتت، والتأكيد على أن الحرب الباردة بين الغرب والشرق وبالعكس انتهت إلى غير رجعة ولم تعد تؤثر على مسرح الحدث السوري تحديداً وبإمكان هذا التوجه أن يفيد في إنهاء الحرب في العراق وفي ليبيا وفي اليمن وأن يساهم في إيجاد حلول ناجعة لقضية فلسطين العادلة العالقة حتى الساعة ومنذ عام 1948 وغير القادرة على بناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف مع ضمان حق العودة والتعويض وإخلاء المستوطنات من شتات اليهود وعدم المساس بعرب فلسطين التاريخية باعتراف إسرائيلي أولاً إلى جانب دول العالم.
وكلنا نعرف في المقابل بأن النظام السوري يتحمل مسؤوليات كبيرة في شأن بلاده وهو الذي قدم خيار الأمن على السياسة في بدايات أزمته كما نقول دائماً وجر الإرهاب إلى داخله من حيث لا يعرف ولا يتصور، ولا يزال مستمراً في العناد عبر رفض التفاوض مع المعارضة الوطنية حسب تصريحات لممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري والسيدة بثينة شعبان المستشارة السياسية في القصر الجمهوري، ومساواة حاملين السلاح وسطها وفي مقدمتهم الجيش الحر بالإرهاب حسب ما يقول باستمرار وزير الخارجية السيد وليد المعلم وارتكاز من جانب النظام السوري على القانون الدولي الإنساني الذي يجيز قمع المعارضة بينما يعارض ذلك قانون حقوق الإنسان، وعيون الدول العملاقة المعنية مباشرة في السلام في سورية تتطلع لعملية انتقالية للسلطة ترتكز على صياغة دستور جديد في دمشق ينظم الفترة الرئاسية للرئيس ويلغي عنها صبغة (الملكورية) التي يجب أن تنهي في النظام الجمهوري تحويل الرئيس إلى ملك خفي أو تعاطيه توريث كرسي الحكم، ولتبيان نزاهة الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية وإغلاق طرق المال الأسود في فضائه بعقوبات رادعة، ولإعطاء دور واضح للمعارضة في صناعة القرار السياسي في البلاد وعدم احتكار السلطة على حزب أو عائلة، وعدم المبالغة في إطالة الفترة الرئاسية التي وحدها يمكن أن تلغي المناخ الديمقراطي في البلاد وتمنع محاسبة الرئيس المنتخب عبر صناديق اقتراع نزيهة وكما هو الحال الآن حيث مدة الرئاسة سبع سنوات متتالية.
وفي الوقت الذي تصر فيه روسيا على تثبيت وقف إطلاق النار في سورية والإبقاء على باب محاربة الإرهاب موارباً من أجل استئصاله والمساهمة مع أمريكا ودول العالم لترسيخ الاستقرار في سورية نستمع إلى أصوات أمريكية يتقدمها وزير الخارجة جون كيري ليتحدث عن وجود خطة بديلة حالة فشل وقف إطلاق النار سمّيت بالخطة (ب) التي تتحدث عنها واشنطن والرياض معاً وتهدف على ما يبدو إلى تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية تحمل هدف إسقاط نظام الأسد إن لم يرحل طوعاً وتحجيم الدور الروسي والتقدم باتجاه تقسيم سورية وهو ما لا نتمناه وندرجه في قائمة الإشاعات الإعلامية مع الاستمرار في التمني للعلاقات الروسية الأمريكية والسعودية والإماراتية والعربية عموماً بالازدهار لما فيه كل الخير لشعوب المنطقة والعالم ويجب أن لا يغفل أحد بأن أوراق (الفيتو) الروسي الصيني المشتركة لا زالت سارية المفعول.
وتصريح الرئيس الروسي بوتين 26/شباط بحضور قادة أجهزته الأمنية في موسكو بأن التسوية الأمنية في سورية القادمة ستكون صعبة ولا بديل عنها للتفرغ لمواصلة ضرب تنظيم (الدولة الإسلامية) و(جبهة النصرة) وغيرهم وسط صفوف الإرهاب أملاً أن تساند أمريكا شريكة بلاده في السلام هذا المبدأ، وفي التوجه الروسي هذا كما أعتقد رسالة قوية لإغلاق كافة الطرق أمام المشككين بحقيقة السلام والمنادين بقيادة سورية إلى مزيد من الفوضى والدمار والناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا وصفت المشككين بوقف إطلاق النار في سورية بالمحاولين لإفشال الهدنة.
ويقابل مشروع السلام الروسي الأمريكي هذا الجديد هواجس على الأرض تعود لحقبة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد التي كانت تهدد منطقة الجزيرة العربية كافة إلى جانب إسرائيل، فما نلاحظه اليوم من حراك سعودي وإماراتي وبحريني وعربي أوسع وبعد خالص الاحترام لعلاقتهم الطيبة مع بلدي الأردن تجاه اليمن ولبنان وسورية والعراق إنما يستهدف إيران بطريقة غير مباشرة رغم أنها تغيرت بعد عام 2015 في عهد رئيسها الجديد حسن روحاني الداعي والعامل من أجل تحسين علاقات بلاده مع أمريكا بعد عزوف طهران كلياً عن برنامجها النووي العسكري وعدم تهديدها لأمن إسرائيل وبلاد العرب. ذكر كريستوفر ديفيد سون في كتابه (ما بعد الشيوخ، ص301/302): (.... تتصدر كل من المملكة العربية السعودية، والبحرين والإمارات العربية المتحدة لائحة الدول المعادية لإيران، ووفقاً لبرقية دبلوماسية أمريكية مسربة مؤخراً، كانت المملكة السعودية العربية قد حثت الولايات المتحدة مراراً، في العام 2008، على قطع رأس الأفعى) في إشارة إلى إيران، بقدراتها العسكرية الظاهرة، وبرنامج بناء السلاح النووي الذي لا يزال المسؤولون الإيرانيون ينكرون وجوده، وقد أعلن رئيس الاستخبارات السعودية السابق أن المملكة العربية السعودية يجب أن تدرس موضوع امتلاك أسلحة نووية لمواجهة إيران، وفي برقية مسربة أخرى تعود إلى العام 2008، اقترح وزير الخارجية السعودي المخضرم، شن حملة مدعومة أما من الولايات المتحدة أو من منظمة حلف شمال الأطلسي للقضاء على سيطرة حزب الله المدعوم من إيران على السلطة، وبعد تحذيره المسؤولين الأميركيين من أن انتصار حزب الله في الانتخابات اللبنانية قد يؤدي إلى استيلاء إيراني على الدولة.
وفي برقية أرسلت في العام 2009، حث ملك البحرين المسؤولين العسكريين الأمريكيين على القيام بالخطوات الصارمة لإنهاء البرنامج النووي الإيراني مهما تطلب الأمر، مضيفاً أن خطر السكوت عنها يفوق خطر إيقافها، واستغلت مملكة البحرين الرأي العام المعادي لإيران في المنطقة بشكل كبير، ففي العام 2011، أعلنت عن عزمها ترحيل الشيعة الذين تربطهم علاقات مع حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
والمراهنة المقبلة للتحالف غير المنسجم سياسياً وسراً مع روسيا والمصادق لها اقتصادياً وعلناً ذات الوقت في الشأن السوري وحتى العراقي والليبي واليمني والفلسطيني أيضاً، هو على الانتخابات الرئاسية الأمريكية 8 نوفمبر 2016 والتي سيفوز بها الرئيس (45) للولايات المتحدة الأمريكية ومن شأن المادة (22) من الدستور الأمريكي منع الرئيس باراك أوباما من الترشح لولاية ثالثة تمتد من 2016 وحتى عام 2021، ويذكر بأن هيلاري كلنتون وبرني ساندرز، قد ترشحا عن الحزب الديمقراطي وكل المؤشرات تسير حتى الآن لصالح هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب من أبرز المرشحين عن الحزب الجمهوري الأمريكي في المقابل، إلى جانب شخصيات ترشحت عن الحزبين الليبرتاري والإصلاحي ولا فرصة حقيقية لهم، والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو هل سيواصل الرئيس الأمريكي القادم مثل (هيلاري كلينتون) أو (دونالد ترامب مثلاً) مساره الإصلاحي السياسي جنباً إلى جنب مع روسيا ويقذف بالحرب الباردة إلى ما وراء عمق التاريخ؟ دعونا نتأمل.
الراي