لم افهم مبررات الدعوة لإعادة وزارة الإعلام خصوصا من لدن أصوات تعتبر أن هذه المطالب ليست بقصد \"الضبط والربط\" وإنما بقصد التنظيم، لقد فهمت سابقا أن تقوم قوى محافظة بالترويج لاستعادة الوزارة فهؤلاء ينسجمون مع أنفسهم رغم إبحارهم ضد اتجاه الزمن، لكن غير المفهوم أن يربط البعض بين الدعوة لعودة الوزارة والإشادة بالتعددية الإعلامية (فهد الفانك أمس في الرأي ) ، أليس في ذلك تناقض?
إن مثل هذه الدعوة تشبه القيام بتسليح شخص بعصا ثم مناشدته بضرورة عدم استخدامها، وهو أمر لا يستقيم مع عقل أو منطق، والملفت أن من حث على قمع الإعلام ليس فقط \"الحرس القديم\" فقط بل إن مثل هذه الدعوة صدرت من رموز ليبرالية موغلة في لبراليتها ولها حلفاء في الصحافة.
لا نزال نتأرجح بين حالين إذ لم نحسم خياراتنا في مضمار الإعلام بعد، فالمحافظين وبعض \"الليبراليين\" يطالبون باستعادة الوزارة فهل يريدون استعادة أجواء الافتتاحيات المكتوبة بقلم واحد أم تعبير عن عجز في إيجاد هياكل مرنة وملائمة لإعلام مفتوح على المدى؟
الملفت أن ظلال الوزارة لم تبرح المكان بعد فهي - أي الوزارة - قائمة بصيغة مواربة الآن وموجودة ولها وزير \"يداوم\" في رئاسة الوزراء وسلطته تمتد على الإعلام الرسمي ( التلفزيون والإذاعة بصورة مباشرة وبترا بصورة غير مباشرة ) ولم يتبقى سوى الإعلام المستقل مثل الصحف ومحطات الـ\"FM \" والمواقع الإخبارية الالكترونية فهل المطلوب إخضاع هؤلاء أيضا \"لسلطة\" الوزارة ؟
لقد حدث إرباك كبير في أعقاب إلغاء الوزارة وهذا أمر طبيعي لكن الطريق الجديدة التي تم سلوكها لم تفشل تماما وقد يستدعي الأمر إعادة نظر في الهياكل الإعلامية التي ولدت بعد مرحلة إلغاء الوزارة، ربما ينبغي أن نفتح حوارا من اجل تعزيز حضور المجلس الأعلى للإعلام بدلا من نعيه.
نحن نعرف تماما مشكلة هذا الهيكل ( المجلس الأعلى) الذي أريد له أن يكون مستقلا لكن قوى محافظة في البرلمان أفرغته من مضمونه التقدمي من خلال القانون الذي بات يحكم أدائه .
وفق القانون إياه فان رئيس المجلس الأعلى للإعلام غير مستقل ماليا أو إداريا عن الحكومة .. ورئيس المجلس يحلف اليمين أمام رئيس الوزراء كما لا يستطيع الإنفاق من موازنة مستقلة ، وبالتالي فلم يتمكن من تدشين سلطة أخلاقية على الإعلام وأضحى في نهاية المطاف أشبه بجثمان ينتظر الدفن.
في ظني إن الدعوات إلى إعادة وزارة الإعلام تنبع من إفلاس منهجي لدى بعض \"الليبراليين\" وحلفائهم في الإعلام كما تنبع من شهوة لاستعادة سلطة مفقودة لدى الحرس القديم ، وبالتالي فان النتيجة واحدة سواء كانت الوزارة عائدة بسبب مطالب هؤلاء أم أولئك فجميعهم يشتركون في الذهاب إلى نفس النتيجة.
الإعلام يحتاج إلى تعزيز المهنية لدى العاملين فيه ويحتاج أيضا إلى تفكير خلاق في إعادة بناء هيكلية وادوار المجلس الأعلى بما يضمن استقلاليته النسبية عن السلطات الثلاث وبهذا الصدد ثمة أفكار جديرة بالنقاش و تصب في هذه النتيجة.
ما أحوجنا إلى القليل من التروي لدى \"ابناء القرن العشرين\" بليبرالييهم ومحافظيهم ، خصوصا أولئك الذين لا يرون سوى صورهم في المرايا، لذلك فحبذا لو يريحون ويستريحون فلسنا ،كما يظنون، بحاجة ماسة إلى إبداعاتهم.
samizobaidi@gmail.com