صواريخ تل ابيب ايران و بالعكس
د.عبدالفتاح طوقان
12-07-2008 03:00 AM
ثلاثون عاما من المحاضرات التى تجاوزت المائة في مواضيع شتى و دول عدة القيتها ضمن مسيرة حياتي ، و لكن الصواريخ الايرانية التى اطلقت الاربعاء و الخميس من شهر يوليو 2008 ، ايقظت ذاكرتي لمحاضرة القيتها في نادي ضباط سلاح الجو الملكي الاردني في بداية الثمانينيات ،منذ اكثر من عشرين عاما تقريبا ، وقت ان كنت ضابطا برتبة نقيب مهندس اؤدي الخدمة العسكرية الالزامية في هذا السلاح المتميز الذي سمح لي بالاطلاع عن كثب عن الوضع التسليحي و متابعة مستجدات العلم و الدراسات العسكرية و الرؤى الاستراتيجية . و كنت مولعا بالحرب الالكترونية و التى كانت بدأت تدخل الى القوات العسكرية و شكلت لها قياده خاصة . لذا استئذنكم العودة الى الماضي ضمن اوراق مبعثرة لنتعرف على الحاضر.كانت شبكات الصواريخ و قواعدها من ضمن اهتماماتي الهندسية ، حيث ان بناء قواعد الصواريخ و تمديدات الكوابل لها تابعة لهندسة المطارات و التى كنت اخدم بها ، و كانت احد المشاريع التى عهد لي بها . و منذ ان قام المقاولون العرب ببناء قواعد الصواريخ في مصر و ما تعرضت لها تلك القواعد من ضربات جوية اسرائيلية في 1967 بالاضافة للمطارات و الطائرات في حرب الساعات الست ، و ما قرأته عنها في مذكرات المهندس عثمان احمد عثمان و الذي اهداني اياه و يحمل توقيعه ، جعلني اقدم محاضرة غير تقليدية في يوم الضباط و كانت القاعة ممتلئة بالحضور و قدمني مدير العمليات الجوية و الذي اصبح قائدا للقوات الجوية العقيد طيار انذاك عوني بلال ، رحمه الله .
حصلت على مجموعة من صور خاصة بأنواع الصواريخ من الملحق العسكري الفرنسي و هو صديق شخصي اصطحبته و عائلته الى العقبة و بترا كما و ساعدني مقدم بحري من السفارة الامريكية بمنحي صورا اخرى، و زاراني كلاهما في مكتبي و زرتهم بترتيب خاص من مكتب قائد سلاح الجو الملكي و موافقته . و كنت انذاك منهمكا في الاعداد لمحاضرة اخرى تقارن بين الطائرات الميراج و التورنيدو و التى كانت من ضمن اهتمامات سلاح الجو الملكي و بالتعاون مع مكتب الدراسات و العميد مهندس حسام ابو غزاله نائب قائد سلاح الجو و الذي اصبح فيما بعد مدير المشتريات العسكرية و بعدها سفيرا في اوروبا.
كانت احد انواع الصواريخ الذي تحدثت عنها ضمن مجموعة الصواريخ قصيرة المدى و المتوسطة و عابرة القارات صاروخ مهم .
كان ذلك هو صاروخ \"السكود\" ، و الذي يعمل بمحرك دفع واحد ، و هو نفسه الصاروخ الذي طورته كوريا الشمالية بأسم \"نو دونج 1 \" من خلال غرفة احتراق اكبر تسمح بمسافات و مدى ابعد في عام 1988 ، و هو نفس الصاروخ الذي نتحدث عنه اليوم في ايران \"شهاب 3\" ويحمل اسم صاروخ \"غوري 2 \" في باكستان . صاروخ من المفترض ان يصل مداه الى حوالى 1500 كيلومتر تقريبا و هذا يعني قدرة ايران على ضرب تل ابيب من حدود ايران علما بأن وسط تل ابيب يبعد عن وسط مدينة طهران مسافة1588 كيلومتر.
و الصاروخ الذي ادخل في تجارب مناورات \" الرسول الاعظم \" يتم تصنيعه و تزويده بالوقود بالكامل محليا في ايران .
المحاضرة شملت الصواريخ الصينية و الهندية و الباكستانية و الروسية و الاسرائيلية و لم تخلُ من التعليقات عن الظافر و القاهر و هما من عصر الرئيس عبدالناصر نقلا عن التقنية الروسية من عام 1959 و التى تسمح بمدي في حدود 150 كيلومتر و التطوير الذي تلاه ضمن فئة صواريخ \"الار\".
لكن الاهم كان ظهور صورة صاروخ اسرائيلي بعيد المدى محمل برأس نووي ، و كانت تلك اول مره يشاهد فيها مثل هذا الصاروخ و الذي كان ضمن المجموعة التى حصلت عليها بالخطأ من الملحق العسكري ، او ربما خدمة غير مقصودة ، حيث انه كان من المفترض ان هذا الصاروخ محاط بسرية تامة ، و لكن الصدفة او الحظ و ربما السهو جعلها تقع في يدي و اضمها الى المحاضرة جيث علق حينها العقيد فريد السفاريني و كان مسؤولا عن هندسة الصواريخ قائلا ان اسرائيل تمتلك اثنا عشر صاروخا محملا برأس نووي و تلك اول مرة نتأكد من هذه الصواريخ و التقنية ،و تم نقلي و صوري بعد المحاضرة الى مكتب قائد السلاح انذاك الفريق تيسير زعرور لاعيد عليه المحاضره و هو ما تكرر معي عندما القيت محاضرة اخرى عن خطة اسرائيل للهجوم على الاردن من اربد و السلط و كان ثنائه و تقديره عال.
و لكن وفي المقابل من طرف اخر و بعد المحاضرتين تعرضت لمضايقات كنت قد تعودت عليها ، سببها ان بعض العرب لا يقرأون ....!!
اقصد اقول ، ان الصواريخ لدى الطرفين ايران و اسرائيل ، و ان كليهما قادر على ازعاج الاخر و الوصول الى منتصف العاصمة و تهديد السكان الامنين ، و ان كانت التقنية الاسرائيلية اكثر تطورا و اكثر فعالية خاصة اذا ما كان الموضوع يشمل النووي بينما صواريخ ايران تعطلت و مسارها قد ينحرف مما استدعى اعادة التوجيه في تجربة صواريخ الخميس التى فشل احدها في الانطلاق الاربعاء .
التصويب على الهدف بدقة لم يكن متاحاً في الثمانينات فقد كانت هنالك انحرافات مدروسة و متوقعه ، اما اليوم و في عصر نقاط خرائط الكترونية و حواسيب و صواريخ موجهه بالاقمار الصناعية و تنطلق من البحر و الجو و الارض بنفس الفاعلية ، فأن الامر يبدو مختلفا .
و لكن ايضا فأن الخطأ متوقع ، فأي انحراف لصاروخ قد يجعله يسقط في مدينة مجاورة في دائرة قطرها عشرين كيلومترا ، و هذا كاف لتدمير ابرياء ربما من دولة اخرى .
اذا ما تأكدت الحرب كما اشاعة سربت من مكتب ديك تشيني ، نائب الرئيس الامريكي ، و الذي حدد لها موعدا بين 5 نوفمبر و 20 يناير ، اي قبل تسلم السلطة من قبل الرئيس الامريكي الجديد ،و مع تصريحات الجنرال الامريكي بتروس قائد عمليات الشرق الاوسط الجديد الذي قال ان ايران الاخطر على المنطقة و الاخطر على العراق ، و ردود ايرانية نارية بمحو تل ابيب ، و تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية رايس ، فأن المنطقة قد تشهد صواريخ في الاتجاهين ، تل ابيب ايران و بالعكس ايران تل ابيب . و قد يتعطل اتجاه ما اذا تدخل الطرف الامريكي و حاملات الطائرات مما يحرف الصواريخ الايرانية الى منشأت في الخليج محددة سلفا حسب تصريحات قائد سلاح الجو الايراني \"الفريق سلامي \" ، فأن حدث هذا فلن ينفع الندم و لا محاضرات.
الجهد الدبلوماسي الخليجي و الاوروبي مهم للغاية حتى تتفادى المنطقة شبح حرب مدمرة للاقتصاد و الانسانية وملهبة لاسعار النفط . فمجرد تذكر تأثير الصواريخ مؤلم للنفس و الروح و لا اعتقد ان ايران ستقبل بصاروخ يدمر مفاعلها النووي و تبقى صامته مهما كانت النتائج .
aftoukan@hotmail.com