"التنظيمات الاسلامية العابرة للحدود" للكاتب حمادة الفراعنة
28-02-2016 10:41 PM
عمون- أقيم في دائرة المكتبة الوطنية مساء اليوم الاحد، حفل اشهار كتاب "تنظيمات إسلامية عابرة للحدود" للكاتب حمادة فراعنة الصادر عن دروب ثقافية للنشر والتوزيع.
ويسلط الكتاب الضوء على خمسة تنظيمات اسلامية عابرة للحدود تعمل في السياسة، ولها تأثيرها على صنع القرار وعلى صنع الاحداث الجارية، من بينها: حركة الاخوان المسلمين، ولاية الفقيه الايرانية، وتنظيم القاعدة وغيرها من خلال رصد أرضية صعود هذه الاحزاب الاسلامية وخلفيتها.
وقال رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة راعي الحفل: "إن ما شد انتباهي بين صفحات الكتاب، الخلاصة التي وزعها الكاتب بذكاء على الفصول والمستويات والعناوين، وهي: أننا بحاجة إلى التعددية، التعددية السياسية التي تدفعنا تطور الوعي، وإخضاع البرنامج الحزبي أو السياسي مهما كان لونه لحاجات المجتمعات وأن يكون للأحزاب دالة مصلحية مركزية واحدة وهي صياغة الأفكار والقيم والمبادئ على قياس تطور المجتمع وحاجاته، والأهم التعبير عن وعي الأجيال التي صارت بحاجة إلى الإثراء في جوانب كثيرة، أهمها المشاركة والتعبير عن الذات".
وأضاف" لقد ساهم الكتاب في دعم قناعتي الراسخة، بأن التعددية السياسية الموزعة على التمثيل الاجتماعي والشعبي، هي مؤشر مهم على صعيد تقدم الدول، نحو التعبير عن ذاتها ورغباتها، على أن التعددية التي نقصدها، هي التي لا تقبل الاستفراد في السلطة، ما يجعل الشكل السياسي لمجالس النواب والحضور الحزبي داخله، والتفاعل الإيجابي بين الائتلافات، يوظف التعددية لخدمة الحياة السياسية، والشعوب التي تشارك وتتفاعل معها.
وقال النائب جميل النمري ان مؤلف الكتاب، كاتب يمتلك الخلفية الفكرية والسياسية والاطلاع والمواكبة الدقيقة للأحداث ليس من موقع المراقب المحايد بل المنحاز لفكر ورؤية وبرنامج لم يتجمد عند حد معين بل تطور مع الوقت على خلفية اساسية ديمقراطية وتقدمية تبلور الراي ازاء الازمات والاحداث بوضوح لينعكس في الكتابة الحريصة والواضحة في الرؤية تجاه التطورات وخصوصا في القضية الفلسطينية حيث يعتبر الكاتب فراعنة من اكثر الكتاب السياسيين اطلاعا ودقة في معالجة المشهد السياسي الفلسطيني.
وبين الوزير الأسبق محمد داودية ان الكتاب الذي يقع في سياق المشروع الثقافي العربي الضروري لمواجهة فكر الغلو والتطرف والارهاب، يتحدث عن مقدمات صعود الاحزاب الاسلامية والتطورات الاقليمية وعن حضور الاردن في مشهد التيار السياسي الاسلامي وعن تشخيص المصلحة الفلسطينية والربيع العربي وارهاب التنظيمات.
وقال الكاتب حمادة فراعنة ان كتاب "تنظيمات إسلامية عابرة للحدود" والذي قدمته لروح الشهيدين معاذ الكساسبة ومحمد ابوخضير مرتبط بكتابين سبق نشرهما، وهما: حزب الإخوان المسلمين في الميزان، والدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، وعلى خلفية كتاب أخر صدر في عام 2013 عن ثورة الربيع العربي، مضيفا ان الكتاب السابع عشر يشكل إضافة سياسية تراكمية لوضع هذه الثورة في سياقها من أجل انتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .
........
كلمة داودية في الحفل :
معالي المهندس عاطف الطراونة رئيس مجلس النواب المحترم،
سعادة نائب الوطن الجميل، جميل النمري المحترم،
عطوفة الأستاذ محمد يونس العبادي مدير عام المكتبة الوطنية،
الآنساتُ والسيداتُ والسادةُ الحضور،
سلامُ الله عليكم ورحمتُه وبركاته،
يتحدث الكاتب السياسي الباحث الأستاذ حمادة فراعنة، عن " تنظيمات إسلامية عابرة للحدود"، في كتابه السابع عشر هذا، الذي صدر مع نهاية العام الماضي، ضمن سلسلة: "قضايا عربية من أجل عالم عربي ديمقراطي تعددي موحد". والتنظيمات المقصودة هي:
1- الإخوان المسلمون.
2- ولاية الفقيه.
3- تنظيم القاعدة.
4- تنظيم داعش.
5- حزب التحرير الإسلامي.
يقول الكاتب في مسوغات إصدار هذا الكتاب، الذي يحتل 272 صفحة، إنه يسلّط الضوءَ على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، التي تعملُ في السياسة ولها تأثيرٌ على صُنع القرار وصُنع الأحداث الجارية، ولا يستهدفُ تنظيماتٍ إسلاميةً محليةً. وقد اعتنى الكاتب بتقديم معلومات وتحليلات عن هذه التنظيمات.
لقد قرأنا تاريخ الدين وتاريخ السلاطين وليس تاريخ الامة.
نحن إذن أمامَ تنظيمات الإسلام السياسي في طبعته المعاصرة التي تشغلُ العالمَ من ناحية وتوحّده ضدها من ناحية أخرى.
وعندما نتحدث عن الإسلام السياسي فإننا نتحدث عن زواج مستحيل وعن علاقة محرمة وعن مشاريع تستهلك جهوداً وطاقاتٍ هائلةً، لا يمكن تحقيقها وستسفر آخر النهار عن خيبات مريرة.
يمكن تفكيكُ مصطلحَ الإسلام السياسي الى:
أ- الإسلام، وهو باقةٌ هائلة من المباديء.
ب- السياسة، وهي حزمةٌ هائلةٌ من المصالح.
والإستحالةُ المطلقةُ تكمن في محاولة الجمع بين المباديء المتسمةِ بالقداسة، وبين السياسةِ التي تخالطُها الدناسةُ. فلما تمّ الجمعُ المتعسفُ بين الإسلامي والسياسي، وكان لأغراض الوصول الى السلطة، حصل :
1-اكبرُ ضررٍ لحق بصورة الإسلام، اعتقد انه لن يُجبر.
2-صراعٌ مذهبي/شوفيني غرائزي وحشي إلتهم مقدرات الإقليم ودمّرها واعاده الى البدائية. (سنّي - شيعي. عربي- فارسي).
3-ضرْبُ التطورِ التراكمي للمجتمعات المدنية العربية والإسلامية واعادتُها الى الخرافة والجهل والظلمات.
وعندما يقول نبيُّنا الحبيب عليه أتمُّ الصلاة والتسليم: "ستفترقُ هذه الأمّةُ على ثلاثٍ وسبعين فرقةً كلّها في النار، إلا واحدة". فالمعنى شديد الوضوح وهو أنّ الفرق الإسلامية، هي تنظيمات تستغلُّ الدينَ وتسخره. ولهذا فهي تستحق النارَ لا الجنةَ، التي يعد كل تنظيم جماعته بها.
من هنا تبرز أهمية المناداة بالفصل بين السياسة والدين. الدين بما فيه من طهر وقيم ومثل وسمو ونبل. والسياسة بما فيها من مصالح ومناورات ودسائس وخبائث ودجل.
حدثني سياسي يمني اختُطف وسجن مع مجموعة من شباب القاعدة قال: وجدتهم يفتحون القرآن كل الوقت على سورة الدخان ويقرأون الآيات التي فيها ذِكرُ الحور العين "... وزوجناهم بحور عين، يدعون فيها بكل فاكهة آمنين".
لقد لفتني ان الكاتب ينصف الربيع العربي، على عكس السياسيين الذين يعتبرون ثورة الشعوب العربية، على الفساد والاستبداد والظلم والجوع، مؤامرة أدت الى اغراق الأمة بالدماء والدمار والصراعات المذهبية والعرقية طويلة المدى. فأصبحت ثورة الربيع العربي مؤامرة، وأصبحت المؤامرة على الربيع العربي ثورة.
لقد كان لموجة الربيع العربي الأولى، فضلُ كشف ما تعانيه الأنظمةُ السياسية العربية من جمودٍ وعجزٍ عن التجديد ومن فشلٍ متواصلٍ في اصلاحِ ميكانزماتها الذي لازَمَها منذ عقود، كما ضربت هذه الموجةُ أيضا الأحزابَ العربية ومنها جماعة الاخوان المسلمين (لاحظ كتاب القيادي الاخواني ثروت الخرباوي سرَّ المعبد (الأسرار الخفية لجماعة الاخوان المسلمين) وقلب الاخوان (محاكم تفتيش الجماعة).
ومن ثمار الربيع العربي التحولات العميقة التي ستجري على حركة النهضة التونسية، المقبلة بقيادة المجدد الشجاع الشيخ راشد الغنوشي على إصلاحات بنيوية نوعية سيتم اعتمادها في مؤتمر الحركة العاشر الذي سيعقد في 31 اذار المقبل ومن أهمها:
1- " تَوْنَسَةُ " الحركة واعتمادُ مرجعية وطنية دستورية سياسية لها.
2- فك ارتباط حركة "النهضة" بمرجعية الاخوان المسلمين الدولية.
3- الفصل التام بين النشاط الحزبي السياسي والعمل الدعوي.
في تسعة فصول يتحدث الكاتب عن مقدمات صعود الأحزاب الإسلامية وخلفياتها وعن داعش والتطورات الإقليمية المتقلبة وعن حضور الأردن في مشهد التيار السياسي الإسلامي وعن تشخيص المصلحة الوطنية الفلسطينية وعن أمريكا والربيع العربي وإرهاب التنظيمات ويختتم الفصلَ العاشر بملحقٍ يتضمن نصوصا وخطاباتٍ وبيانات.
لقد تنبّه الكاتب الى تأثير مخرجات التنظيمات الإرهابية على الصراع العربي الإسرائيلي، مركز الصراع التاريخي في المنطقة، ومضاعفاته غير المباشرة التي القت بظلالها السوداء على القضية الفلسطينية وعلى كفاح شعب فلسطين فإنزاح من مركز وصدارة الاهتمام العربي والدولي وبدت احداثه وتطوراته الخطيرة أصغر من أن تلفت اليها الابصار وأدنى من غيرها على سلّم الأولويات.
ومعلوم ان فصل السياسة عن الدين هو دائما لمصلحة الدين، فلم يحدث ان سيطر رجال الدين على السلاطين بل العكس هو ما تم حين سخّر السلاطين رجال الدين لمآربهم. ويمتد هذا التسخير الى تسخير كل أجهزة الاستخبارات العالمية -السي آي ايه والموساد بالطبع وغيرهما- تنظيمات الإسلام السياسي كما حدث في أفغانستان.
يقول روبرت غيتس المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية (C.I.A) في مذكراته من الظلال: "بدأنا بمساعدة الحركات المعارِضة في أفغانستان قبل 6 شهور من التدخل السوفياتي"!!
لقد تم تجييش الشباب المسلم للانخراط في "الجهاد الأفغاني" من اجل "إنقاذ المسلمين من قبضة الشيوعية الملحدة" وبرزت في تلك الفترة التي هيمنت عليها وأدارتها بالكامل المخابرات الأمريكية، أسماءُ القادة: أسامة بن لادن وعبد الله عزام واحمد شاه مسعود وقلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني وغيرهم الذين كرسوا كل طاقاتهم لتلك الحرب. في ذلك الوقت دوّت صرخة الملك الحسين محذرة من انصراف الطاقات عن مخاطر الاحتلال الإسرائيلي لمقاتلة العدو البعيد "القدس قبل كابول". كما دوّت في الإقليم والعالم قبل سنوات صرخة الملك عبدالله الثاني: "داعش قبل الأسد"، التي يتم اعتمادها الان.
كل الأطراف المتقاتلة عبر التاريخ الإسلامي، التي سالت الدماء بينها انهارا، ادعت انها على حق وانها تستند الى القرآن والسنّة !!
نتأمل مقتلَ الصحابي عمار بن ياسر، اقرب أصحاب الرسول الكريم واعزّهم عليه، في معركة صفين التي دامت 100 يوم بين جيشي علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان وقتل فيها نحو 70 الفا من المسلمين.
قَتل جنود معاوية، الصحابيَ ذا التسعين عاما، الذي قال فيه الرسول "تقتلك الفئة الباغية" فكيّف معاوية الجريمة بأن الفئة الباغية هي من ارسلته الى التهلكة وليست التي قتلته.
والمثير هو ان أفراد الجيشين المتقاتلين في صفين، ظلوا طوال الليل يقرأون القرآن، ويرفعون صلواتهم الى السماء، ويدعون الله ان يمكّنهم من رقاب الطرف الآخر!! كانوا يقرأون نفْسَ القران ويتوجهون الى نفس القِبلة ويرفعون نفس الآذان ويسلمون ذات اليمين وذات الشمال فيرى كل فريق منهما الفريقَ الآخر.
وكان يقود احد الجمعين معاوية بن ابي سفيان صاحب شعار ونظرية: لو كان بيني وبين الناس شعرةٌ لما انقطعت !. لقد ثبت انه كان شعارا مراوغا فقد انقطعت الشعرة، وانقطعت سبعون الف رقبة.
وصلت جماعةُ الاخوان الى السلطة في مصر، على صهوة ثورةِ الربيع العربي ضد الفساد والاستبداد، وكان اداؤهم اقصائيا مُغالِباً هزيلا، ففشلت التجربةُ امام تحالف الفلولِ والعسكرِ والعلمانيين والاقباطِ واليسارِ والسلفيبن والمثقفين التقدميبن والدولةِ العميقةِ.
وأَستحضِرُ نموذجا "طازجا" هو حزب "النور" السلفي المصري الذي حصل على نحو 25% من مقاعد مجلس الشعب المصري في الانتخابات ما قبل الأخيرة ولكنه سرعان ما خذل "الاخوان المسلمين" وطعنهم في الظهر دون تفسير لصالح القوى التي أطاحت بالشرعية، في فاصل انتهازي مغثّ لا نظير لفظاظته وقبحه!!
في سنة 1979 زلزلت ثورة الخميني المنطقة، رفعت راية المستضعفين في الأرض ضد المستكبرين "الموت لأمريكا ولإسرائيل"، ورفعت شعار "حق جميع الشعوب في الاستقلال والحرية" وهو الشعار الذي داعب أحلام الشعب العربي المتطلع الى حرية فلسطين واستقلالها. ثم فتك الخميني بحلفائه الشيوعيين "حزب تودة" والعلمانيين واليساريين وأقام حكما "ثيوقراطيا" - حكم الكهنة ورجال الدين- واعلن قيام "جمهورية إسلامية" - وليس خلافة إسلامية- قائمة على المذهب الشيعي الجعفري الإثني عشري وعلى ولاية الفقيه، واستحوذ "المرشد الأعلى" على السلطة المطلقة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لقد آلت الثورة الى سلطة مرعبة طاغية في ايران، فاصبح التعذيب والاغتيال ولواط الشباب المعارض واغتصاب الفتيات المحجبات المحتجات، نسقا تقليديا لأجهزة الامن الإيرانية التي تتشعب الى اكثر من 20 جهازا.
تبدل شعار الجمهورية الاسلامية إلايرانية من "تصدير الثورة" الى "تصدير المذهب" الشيعي الجعفري الاثني عشري، إثرانكشاف محتوى "الثورة الإسلامية" بعد فضائح لا تحصى، ابرزها "ايران كونترا او ايران غيت عام 1985" التي كشفت للعالم أن جسرا من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران.
ان متابعة ما يجري في اندونيسيا وماليزيا وغيرهما، يكشف عن نجاح جهود ايران في تشييع أهلها.
وكان طبيعيا ان تعلي الثورة الإيرانية المصالح على المباديء وان تنتقل من ثورة الى دولة ذات محتوى صفوي قومي شوفيني، مستغلة العدوانية الصهيونية المتوحشة والاسناد الأمريكي الثابت للظلم والقهر والعدوان والاحتلال الإسرائيلي.
وفي تقديري ان ما تمت مقارفته على يدي تنظيمات الإسلام السياسي سيسفر عن انفضاض المسلمين عن هذه التنظيمات التي دمرت الاستقرارَ والأمنَ والأمان واطمئنانَ الناس وقتلتهم وشردتهم ورأوا عن كثب شكل حكم هذه التنظيمات الموغل في العسف والوحشية والتخلف.
لقد التف الناس حول هذه التنظيمات لأن الطغيان والفساد قد اثخنهم، ولأنهم صدّقوا خديعة قيام دولة العدل والحق والخير الاسلامية الشبيهة بالدولة الراشدية.
عرف العالم كل اشكال التجارة وانواعها، عرف تجارة العملات والأوراق المالية وتبييض الأموال بمبلغ (5 تريليون دولار) وتجارة السلاح ( 1700 مليار دولار ) وتجارة المخدرات (700 مليار دولار) وتجارة الفن والتحف الفنية والآثار وتجارة النفط وتجارة الدواء وتجارة الغذاء والاتجار بالبشر والجنس وتجارة القمار، غير ان "أربح" إتّجار كان على مرّ القرون - وما يزال - هو الإتّجار بالدين !
يُدِرُّ الإتّجارُ بالدين على محترفيه ومزاوليه، علاوة على المكاسب المالية الهائلة، مكاسبَ معنويةً لا حدود لها، تبدأ من الهالة التي يضفيها رجال الدين واتباعهم ومريدوهم على انفسهم وكذلك الالقاب الرنانة ذات الوقع التبجيلي الوقور التي يخلعونها ومريدوهم على انفسهم.
أرجو ان أكون قد انصفت الكاتبَ حمادة فراعنة، أحد المراجع المهمة في القضية الفلسطينية، فهذا الكتاب يقع في سياق المشروع الثقافي العربي الضروري لمواجهة فكر الغلو والتطرف والإرهاب الذي لا تهزمه الطلقاتُ والمعتقلاتُ بل تهزمه الكلمات.
أحييكم يا من تحضرون من أجل كتاب.
راعي الحفل رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة قال في كلمته:
"بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
الأستاذ حمادة الفراعنة ، الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد ،
أبدأ بالشكر الجزيل لتفضل صاحب المناسبة تشريفي رعاية هذا الحفل إشهار كتاب " تنظيمات إسلامية عابرة للحدود " ، وهو الأنتاج المعرفي السابع عشر لكاتبنا ، والذي يسلط الضوء فيه على مسألة في غاية الأهمية ، إذ يحاكي عبر صفحات كتابه ، ما يمكن أن يثير الجدل في جانب ، لكنه يثري المعرفة في جوانب بات مهماً إدراكها ، والتعمق فيها ، والأستزادة منها .
وتبرز أهمية كتاب الصديق أبو عامر بأنه يأتي ونحن منشغلين في مناقشة مصطلح " الأسلام السياسي " ومدى قدرته في أن ينافس على السلطة والنفوذ ، مرتدياً لبوسا دينا ليروج مواقفه السياسية ، وفي حين كان لهذا المصطلح السياسي ، دلالة واحدة أو أكثر ، عبر من يمثله ، فإنه اليوم له دلالات موزعة على المذاهب والفرق والجماعات ، ما يجعل متابعة التجربة تحتاج إلى نظرة شمولية ، نرصد من خلالها مدى التشابك والتقاطع والتنافر عند متبني هذا الفكر ، الذي أجده مخالفا لقناعات التحول والتطور وتحييد الأختلاف لصالح الخلاف ، إن كان ضرورياً .
صاحب الكتاب ، الحضور العزيز :
لقد قدم الكاتب مدخلاً نظرياً للحديث عن تداعيات الربيع العربي ، ومدى قدرة التنظيمات الإسلامية في إعادة إنتاج دورها خلال سنواته ، سواء عبر مساعدة الحلفاء والأصدقاء كما في مصر والعراق وفلسطين وتونس والمغرب ، أو عبر رغبتها في التغيير الثوري والجوهري ، كما في ليبيا وسورية واليمن ، محملاً الربيع العربي نتائج " الأخفاق الفاقع " ، بسبب عدم نضج جملة العوامل الذاتية ، التي أهمها مصدر الثورات وجمهورها ، الذين أخفقوا في صناعة البديل الديمقراطي الناجز ، فكان للتنظيمات الإسلامية على تباين تقييمنا لها أن غيرت مسار حركة الربيع ، وغيرت من أهدافه ، وجعلته نقمة لا نعمة على الشعوب .
على أن ما شد إنتباهي بين صفحات الكتاب ، الخلاصة التي وزعها الكاتب بذكاء على الفصول والمستويات والعناوين ، وهي " أننا بحاجة إلى التعددية ، التعددية السياسية التي تدفعنا تطور الوعي ، وإخضاع البرنامج الحزبي أو السياسي ، مهما كان لونه ، لحاجات المجتمعات ، وأن يكون للأحزاب دالة مصلحية مركزية واحدة ، وهي صياغة الأفكار والقيم والمبادئ على قياس تطور المجتمع وحاجاته ، والأهم التعبير عن وعي الأجيال ، التي صارت بحاجة إلى الإثراء في جوانب كثيرة ، أهمها المشاركة والتعبير عن الذات " .
ولكي لا أطيل عليكم ، فلست في مقام التقديم للكتاب ، لكني بلا شك إستفدت منه ، في دعم قناعتي الراسخة ، بأن التعددية السياسية الموزعة على التمثيل الأجتماعي والشعبي ، هي مؤشر مهم على صعيد تقدم الدول ، نحو التعبير عن ذاتها ورغباتها ، على أن التعددية التي نقصدها ، هي التي لا تقبل الأستفراد في السلطة ، ما يجعل الشكل السياسي لمجالس النواب والحضور الحزبي داخله ، والتفاعل الإيجابي بين الأئتلافات ، يوظف التعددية لخدمة الحياة السياسية ، والشعوب التي تشارك وتتفاعل معها .
الحضور العزيز :
لقد إجتهد الصديق أبو عامر ، وله أجر واحد على فعله ، وله أجران إذا ما إقترن الفعل بتحقيق المنفعة والهدف ، داعياً أمام هذه النخبة الطيبة من الأصدقاء ، أن نستفيد من مناهجنا ، من حجم المعرفة التي ينشرها كُتابنا ، لعلنا أمام أولوية التعليم ، أن نصنع أجيالاً مسلحة بالمعارف ، لتهتدي بعد ذلك لخياراتها النافعة ، وطريقها القويم ، الذي لا بد من التنوع فيه ، لكن على أرضية قبول الأخر ، مستفيدين من تجربتنا في الحرب على الأرهاب ، ومكافحة الفكر المتطرف وجماعاته ، ما يحتم علينا تطويع العمل السياسي لخدمة التشارك في المسؤولية وحماية الأجيال .
مجدداً الشكر لكم جميعاً ، متمنياً التوفيق للصديق حمادة فراعنة" .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
النائب جميل النمري القى كلمة قال فيها:
تقديم كتاب الأستاذ حمادة فراعنة " تنظيمات إسلامية عابرة للحدود "
جميل النمري
الحفل الكريم السلام عليكم ورحمة الله
قبل الحديث عن الكتاب أريد الحديث قليلاً عن الكاتب فلم يسبق لي فرصة من قبل للحديث عن حمادة فراعنة وهو يصنف من الشخصيات الاشكالية أو الخلافية له الكثير من الأصدقاء كما له الكثير من الأعداء مع أنه لا يدخل في أي معارك شخصية وليس لديه أي قدر مهما كان ضئيلاً من الشخصنة في السياسة والأعلام ، لكن فعاليته السياسية وعلاقاته الواسعة والمدهشة على نطاق يتعدى حدود الساحتين الأردنية والفلسطينية إلى العربية وخصوصاً في مناطقها الساخنة يزعج الكثيرين وتثير لديهم نوازع عدوانية لا يستطيعون لها تبريراً موضوعياً فتغلف باتهامية جزافية طالما رأيناها في محطات وبمناسبات مختلفة بما في ذلك فترة نيابة الفراعنة في البرلمان الأردني .
وأتذكر عندما بدأت ثورة الأنقاذ في السودان تشكل ظاهرة عربية ملفتة كان فراعنة يزور السودان ويرسي علاقات معرفة مع قياداتها المتنوعة والتي سيكون لها مصائر مختلفة إبتداء من الشخصية الفذة الشيخ حسن الترابي ، وكنت ضمن وفد اعلامي زار السودان بترتيب من فراعنة حيث إلتقينا وناقشنا بحرية كل القيادات من الرئيس البشير إلى حسن ترابي ولكن فراعنة مكننا أيضاً من لقاء إبراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني وهو تحت الأقامة الجبرية .
وحدث هذا مع أن فراعنة له موقف واضح من الأسلام السياسي لكن البراغماتية السياسية كانت تقضي الأنفتاح على نظام يقدم نموذجاً ناهضاً في حينه ويحكم بلداً بحجم وإمكانيات السودان وأرضه البكر وتجربته تسحق الأطلاع والتواصل والمساجلة وبالفعل فقد طروت الحكومة عندنا علاقات ومشاريع كان يمكن أن تنجح بصورة فائقة لو كانت لدينا الكفاءة الضرورية لذلك ، وقل الشيء نفسه عن العلاقة مع الأكراد الذين كانوا يتجهون إلى حكم ذاتي أقرب لدولة مستقلة ويبلورون مؤسساتها ، حيث أقام فراعنة علاقات واسعة لعلها لم تتحقق لأي شخصية أردنية أخرى ، أما الفتح الأهم فهو العلاقات مع فلسطيني ال 48 وما يبدو اليوم طبيعياً في العلاقات معهم كان حين بدأه حمادة يبدو خيانة عظمى بفعل النظرة المنغلقة والمتخلفة لفلسطيني الداخل ، وهو ما جرّ عليه حملات قاسية وتحمل إهانات ظالمة لكن المغفور له الحسين العظيم أنصفه ومنحه وساماً تقديراً لهذا الدور الفائق الأهمية ثم أصبحت العلاقة مع عرب الداخلية أمراً طبيعياً بل ضرورة نضالية مميزة ، وقبل أيام فقط قدم النائب العربي الفلسطيني أحمد الطيبي في الكنيست أرقاماً مذهلة عن دور الأردن والجامعات الأردنية في تمكين فلسطيني ال 48 من التعليم العالي ومنافسة الإسرائيليين فيه حيث 95% من الشهادات الجامعية تحصيلها في الجامعات الأردني وكان حمادة هو الذي فتح الباب ورتب أول لقاء للحسين مع القيادات البرلمانية لعرب ال48 وفي مجال فتح النوافذ السياسية وتجسير
العلاقات ومد القنوات عبر سدود العزلة وصنع الحوار فإن حمادة يملك المهارات والقدرات التي يندر إنها توفرت لشخصية أخرى عربية .
إنجرفت بعيداً عن الموضوع لكنها مناسبة لا أستطيع إلا أن أغتنمها للحديث عن فراعنة السياسي قبل الكاتب وهو كاتب لأنه سياسي محترف وينشغل دوماً بدور مبادر مع القوى السياسية وبينها وفق رؤية معينة لحلّ الأستعصاء آت ودفع العربة إلى الأمام في سبيل المصلحة العامة الوطنية والديمقراطية ، وطالما لعب دوراً في تقديم المبادرات وتجسير الحوار وخلق التوافقات ، ومقالاته ليست مواضيع إنشاء على غرار كثيرين من كتاب الأعمدة الذين يبحثون عن موضوع لملئ الفراغ فلا تعرف بالضبط ما يريده الكاتب سوى إستعراض قدرته على الكتابة أما حمادة فهو يعرف تماماً ما يريده ولديه الخلفية الفكرية والسياسية والأطلاع والمواكبة الدقيقة للأحداث ليس من موقع المراقب المحايد المنحاز لفكر ورؤية وبرنامج لم يتجمد عند حد معين بل تطور مع الوقت على خلفية أساسية ديمقراطية وتقدمية كما يحددها بوضوح على المستوى الأردني والفلسطيني والعربي ، ومقالاته تبلور تحليلاً ورأياً واضحاً أزاء الأزمات والأحداث تجاه القضية الفلسطينية حيث يعتبر فراعنة من أكثر الكتاب السياسين إطلاعاً وإتصالاً بالحركة السياسية الفلسطينية بفصائلها وقياداتها وسلطتها الوطنية وكتابات فراعنة في هذا المجال يمكن تصنيفها بالأكر إطلاعاً ودقة في معالجة المشهد السياسي الفلسطين .
وهذا الأنفتاح والصد الدقيق والموثق ينطبق على كتابات فراعنة عن الأسلام السياسي ورغم إنحيازه الواضح وغير الماتبس للثقافة الديمقراطية والعلمانية عمل بنفس المنهجية على ندّ وفتح الحوار مع الإسلاميين بغية تطوير موقفهم كمكون لا يمكن إغفاله على الساحة الأردنية والعربية والهدف الواضح هو إنقاذ الساحة من الصراع السلبي والألغائية وتطوير موقف التيار الإسلامي بإتجاه يخدم القضايا الوطنية وكل هذا قبل الربيع العربي وظهور داعش وما مثله التطرف الجديد من تحديات لنا جميعاً .
وكتاب فراعنة الجديد مثل بقية كتبه ليست مطالعة أكاديمية وبحثية ولا رصد تاريخي مجرد بل معالجة سياسية ميدانية تتناول ظاهرة التنظيمات الأسلامية العابرة للحدود وفي هذا المجال مثل كتب أخرى يستخدم فراعنة مقالاته لصلاحيتها الكاملة في تكوين أجزاء من مادة الكتاب ، وقد لا يجد القارئ إجابة تشفي الغليل عن سر وجود داعش وقوتها لكن فراعنة ليس من أنصار نظرية المؤامرة ويرى في داعش جزءاً من ظاهرة الأسلام السياسي ذهبت إلى المدى الأقصى في التطرف والوحشية أي تكن أشكال المساعدة أو التواطوء التي تلقتها من غير طرف .
أعتذر للإطالة عليكم آملاً أن يجد القارئ المهتم ضالته في الأطلاع على مراجعة سياسية متمكنة للظاهرة التي يعالجها الكتاب .