مخابرات دولة لا دولة المخابرات
المحامي محمد الصبيحي
12-07-2008 03:00 AM
كان ممتعا أن تقف في موقع المراقب لتتأمل الهجوم الكبير الذي شنه رجال دولة وأعلاميون ضد حرية الصحافة الاردنية , وكم كان محزنا ألا يدرك هؤلاء أنه اذا كان المجتمع هشا الى درجة أن يتزعزع بفعل صحيفة هنا أو نشرة هناك فان سبب ذلك أنهم لم يقوموا بواجبهم في جلاء الحقائق ولم يساهموا في جعل الشفافية منهجا وممارسة وأن صمتهم هو الذي أضاع الحقيقة في غياهب الشائعات . ويتنطح أحد رجال الدولة للحديث مطالبا المخابرات العامة بالتدخل لضبط وكبح جماح الصحافة فيتصدى له مدير المخابرات الباشا محمد الذهبي معترضا ( نحن مخابرات دولة ولسنا دولة مخابرات ) , وقد كانت هذه الجملة أجمل وأبلغ ما سمعت في خضم السجال الاعلامي وتعبر عن فهم الرجل العميق لمسؤوليته ورؤيته المتنورة لروح العصر ومستقبل الديمقراطية , ولن أكون متجنيا على أحد اذا قلت أن بين كبار رجال الدولة من كان يطرب لما يجري ليس معاداة للوطن وانما حبا في تعثر الحكومة وكراهية أن تحقق نجاحات يشهد لها بها الناس , وكان هدف الكثيرين منهم أن تظل الحكومة في حالة دفاع مستمر عن القرارات والمواقف والاجراءات .
وليست هذه هي الهجمة الاولى ولن تكون الاخيرة ضد حرية الصحافة ولكن من يمتلك قليلا من بعد النظر يعرف أنه حتى الامواج العاتية تتكسر على صخور الشاطىء , فلم تنجح سابقا تحريضات كثيرة ومحاولات مستميتة كانت تخفي في ثناياها الخوف من أنكشاف الحقيقة في ثوب الخوف على مصلحة الوطن , فمنذ عهد الملك الرحل الحسين طيب الله ثراه كانت هناك محاولات من رجال دولة وأعلاميين لتأليب جلالته ضد الصحافة باءت كلها بالفشل كما باءت المحاولات الجديدة بفشل متواصل فقد أنتصر جلالة الملك للصحافة الحرة المسؤولة وأراد بحديثه حمايتها من الانحراف وتوجيهها الى الصواب ومواصلة دورها في خدمة الحقيقة والعدالة والشفافية , وليس الهبوط بحريتها وتقييدها كما فهم بعض من أشهروا أقلامهم ضد صحيفة هنا وموقع ألكتروني هناك .
لقد كان من أفضل ثمرات معركة الصحافة الاخيرة أننا تبينا طبيعة الخطاب المزودج لبعض رجال الدولة فحين يكون الحديث في العلن تظن أنهم أكثر ديمقراطية وشفافية من المهاتما غاندي , وحين يكون حديثا في الجلسات المغلقة تجدهم وكأنهم يريدون أعلان الاحكام العرفية وتكميم كل صوت يتساءل أو يستوضح أو ينتقد أو يعارض, ولعلنا في يوم ما نسمع أو نقرأ أن باحثا أردنيا قدم رسالة دكتوراه في داء النفاق السياسي لرجال الدولة والنفاق الاعلامي المستشري بين نخبة يفترض أنها توجه الرأي العام وتصوغه .
لا نحن ولا غيرنا بمقدوره أن يوقف ثورة الاتصالات وطيران الافكار والاخبار فحتى الهاتف المتنقل تحول الى نشرة أخبارية مكتوبة ومصورة تخترق الحدود , وكل ما يقال عن قوانين لضبط الصحافة الالكترونية ليس أكثر من فذلكات خارج التطور سيثبت وهمها سريعا , غير أن البديل أن نبني أعلامنا الخاص بنا على اسس من المهنية والشفافية والتعددية والثقة بالنفس وبعقل المواطن .
ليس مهما الان أن نسجل نقاطا لهذا الطرف أو ذاك , وليس مهما أن نقول من ربح ومن خسر من الاشخاص وانما المهم أن نستلهم الدرس والعبرة وهو أنه لاخيار لدينا الا دعم حرية الرأي والاختلاف وأن قمع الطرف الاخر لم يعد طريقا سالكا لعربة المستقبل , وأن الصمت هو البيئة المثلى لتفريخ الشائعات وهو رديف العجز وطريق مختصر الى الفشل .