أجرت ايران نهاية الاسبوع الفائت تجارب على صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى. كشف النقاب عن قدرة بعضها على حمل سلاح تقليدي تصل زنته طنا من المتفجرات الى مدى الفي كيلو متر.أي ان هذا الصاروخ يستطيع ان يضرب مواقع في اسرائيل. ومع ان التجارب اجريت على تسعة صواريخ الا ان الاعلان عنها لم يكشف اية تفاصيل الا عن ثلاثة منها.
اوساط كثيرة اعتبرت الحدث تصعيدا, وهو في الحقيقة كذلك. فبموازاة التصعيد في لهجة التهديد والتنديد والتحذير المستمر من اصرار ايران على تطوير برنامج نووي, بموازاة التصعيد اللفظي المتبادل بين قطبي الصراع اسرائيل والولايات المتحدة من جهة وايران في الجهة المقابلة, نشهد تصعيدا في الاستعدادات العسكرية. اسرائيل أجرت مناورات عسكرية خلال الشهر الفائت على اهداف تساوي مسافتها عن اسرائيل مسافة ايران (وان كانت في اتجاه اليونان). ولم يكن سرّا ان الهدف من تلك المناورات كان الاعداد, كما اعتقد كثير من المراقبين, لمعركة مع ايران محصورٌ مداها الزمني في الأشهر المتبقية من عام 2008
الا ان التصعيد الايراني الاخير قوبل بلهجة أهدأ في كل من واشنطن وتل ابيب: صحيح ان انتقادات شديدة قد وجهت من قبل اوروبا والولايات المتحدة لاجراء التجارب الصاروخية من قبل الحرس الثوري الايراني, وصحيح ان الرئيس بوش قد طالب بوقفها, الا ان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليم بيرنز اعلن امام لجنة تابعة للكونغرس بان واشنطن لم تستنفد كل الوسائل الدبلوماسية لحل مشكلة الملف النووي الايراني, واضاف ان طهران لم تحقق تقدما ملموسا في برنامجها النووي بسبب العقوبات التي تفرضها الامم المتحدة عليها.
ونسب في نفس الوقت لوزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس القول خلال مؤتمر صحافي في واشنطن ان المواجهة العسكرية مع ايران ليست قريبة.
اما في اسرائيل, فبالرغم من تصريح المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي بأن برنامج ايران النووي وقدراتها الصاروخية يمثلان خطرا كبيرا على اسرائيل, فقد نسب لمصدر اسرائيلي صباح الخميس الفائت بان صواريخ ايران غير متطورة.
ولكن كل هذا لا يعني الكثير. فبقدر ما تملأ الاجواء الملبدة بالغموض الاشارات والدلالات التي تؤكد ان الحرب آتية لا ريب فيها, هنالك بالمقابل اشارات ودلالات تؤكد ان الحرب هي الجنون بعينه وانها ستتسبب في عواقب وخيمة لن يفلت منها احد.
ولم يكن من السهل على أكثر المراقبين اطلاعا حتى الآن الجزم باحتمال وقوع الحرب من عدم ذلك.
ولذلك يظل الحوار دائرا في فلك التكهنات من جهة, وفي فلك توقعات العواقب والمآسي والازمات العالمية التي ستخلفها الحرب ان وقعت.
ولكن التصعيد الاخير, اي مناورات الصواريخ، يحمل دلالة خاصة, ودلالة هامة طبعا, اذا ما نظرنا اليها من خلال تجربة الحرب الاسرائيلية صيف عام 2006 ضد حزب الله والتي لعبت فيها صواريخ حزب الله دورا حاسما. فإذا كان حزب الله قد تمكن من مواجهة الجيش الاسرائيلي بقدراته الفائقة واسلحته المتفوقة والدعم العالمي الذي وقف وراءه من دون تحفظ, بالصواريخ, واذا كان حزب الله هو امتداد فرعي لايران ومدرب ومسلح على يد ايران, فماذا نتوقع من المدرب والمسلح ان وقعت المواجهة معه.
ولكن قدرات ايران العسكرية لا تنتهي عند سلاح الصواريخ فقط. فعدا عن الميزة الجغرافية التي تجعل من سلسلة الجبال الغربية الايرانية المطلة على الخليج المكان المثالي لاقامة قواعد اطلاق الصواريخ على السفن الاميركية من تلك المرتفعات, عدا عن ذلك فإن لدى ايران, كما كتب شارلي ريس في موقع AntiWar.com في 28/6/2008 اسلحة متطورة وجيش مستعد. يقول ريس ان لدى ايران كميات هائلة من الصواريخ المتوسطة المدى والبعيدة المدى القادرة على الوصول لاهداف تبعد 2200 كيلو متر. ويقول ان روسيا زودت ايران بأسرع الصواريخ المضادة للسفن في العالم, وهي من طراز (SS-N-22 Sunburn) القادرة على الانطلاق بسرعة تصل الى (Mac 3) وهي بذلك اسرع من اية صواريخ نظيره لها في الترسانة الاميركية بحسب ريس.
وتمتلك ايران ايضا جيشا قائما مكونا من 540 الف جندي بالاضافة الى 300 الف احتياط يشملون 120 الفا في الحرس الثوري من المدربين على الحرب غير التقليدية, و1600 دبابة ميدان رئيسية و21 الف سيارة قتال مصفحة و3200 قطعة مدفعية وثلاث غواصات و59 سفينة حربية وعشر سفن برمائية.
وتدعم هذه الامكانات قدرة قتالية مؤكدة, وارادة سياسية مصممة على الرد بأقصى درجات القوة على اي هجوم.
ومن شأن ذلك ان يحول المنطقة الى كتلة من اللهب كما قال رئيس لجنة الطاقة الذرية الدولية الدكتور محمد البرادعي وكما يتنبأ بذلك كثيرون غيره.
اما التوقعات والتبعات الاقتصادية فيقول توم انغلهارت "Tom Engelhardt" في مقال نشره تحت عنوان "لماذا لن تهاجم اميركا ايران" في 10/7/2008 انه وبناء على تقديرات الخبراء سيصل سعر برميل النفط الى رقم يتراوح من 300-400 دولار وان سعر غالون البنزين سيصل في اميركا الى (12) دولارا هذا ما يتعلق بسعر النفط فقط. ونحن الان على دراية كافية من خلال الارتفاعات المتتالية في اسعار النفط خلال العامين الماضيين, كيف ادت تلك الارتفاعات الى دفع اسعار كل سلعة وكل خدمة يمكن ان تخطر على بال أحد. وطالما أننا, وأجزاء أخرى من العالم, وصلنا على حافة القدرة على التحمل, فكيف ستنتهي بنا الاوضاع لو وقعت الحرب.
الحجة ضد الحرب قوية ومنطقية وعملية وقانونية, ولو أُخذ بها لما وقعت اي حرب ضد ايران.
ولكننا نجتاز مرحلة خطيرة من التاريخ لا يحكم القرار فيها لا العقل ولا المنطق ولا الواقعية العملية ولا القانون: الذي يحكم هو الهوى والمصلحة الانانية المغرضة الضيقة والنزوات العنصرية والتعصب والحُمق. ومن خلال ذلك يظل خطر الحرب قائماً. فهناك من يدفعون للحرب بقوة في واشنطن وفي اسرائيل من دون مراعاة لا للعواقب ولا للفوضى التي ستخلفها اية مغامرة جديدة لا قدر الله.