قبل عدة سنوات لم تكن القنوات الدينية او التي تدّعي انها كذلك على هذا النحو من المباشرة والتصريح، وما كان منها ما يلجأ الى التلميح والايحاء اصبح الان يحرّض ويبث ثقافة التّطييف والاقصاء بأعلى صوت.
فهل ساهمت الفوضى المدمرة التي شهدها الوطن العربي خلال الأعوام الماضية في أدلجة الفضاء وتحويل بعض الشاشات الى خنادق ؟ وما كان مرتقبا من قنوات كهذه هو تكريس وتعزيز مناخات التعايش والتسامح، لأن بعضها بدأ كذلك، وانتهى الامر الى ان تلك المزاعم لم تكن سوى طعم لاصطياد المشاهد البريء!
والغريب ان من يعلنون الحرب على الارهاب ويسعون الى تجفيف مستنقعاته ومنابعه لا يلتفتون من قريب او بعيد الى هذا الترهيب الفضائي، فالتكفير على اشدّه وتبادل الهجاء الذي يطال رموزا دينية من شتى العقائد في ذروته، كما ان هذا الفضاء المؤدلج اصبح مدججا بمحاربين من طراز لا علاقة له بالمسجد او الكنيسة، وما نسمعه احيانا من بعض هذه الفضائيات يتجاوز الخطوط كلّها، ويستبيح المحظورات الدينية اضافة الى التجهيل الذي تمارسه من خلال بث الخرافات التي لا اصل سماوي لها، بل هي من ابتداع بشر ارادوا تحويل الحياة الانسانية كلها الى كابوس وجحيم لا نهاية لهما !
هكذا نجد وللمرة الالف من يحولون نعمة التكنولوجيا الى نقمة، ويضعون العلم في خدمة التجهيل، لأنه الان مُمنهج ومبرمج، وله استراتيجية تستهدف تجريف الوعي، وافراغ العقل من حمولته!
السكوت عن هذا الفضاء المؤدلج هو تواطؤ بشكل او بآخر، وحين نتحدث عن تجديد الخطاب الديني فإن هذه العوائق والمصدات سوف تحول دون تجديد او تحديث ولا ندري كيف يقبل رجال دين ان يتحولوا الى جنرالات ويشهروا سيوفا يقطر منها الدم والسمّ معا في فضاء ليس ملكا لهم.
ان هذا الفضاء قد استنقع الى حدّ لا يسمح بالصّمت، اللهم الا اذا كان وراء الاكمات ما لا نعرفه!!
الدستور