حرب الشوارع والسير عكس اتجاه السير
11-07-2008 03:00 AM
لا شك بأن قيادة السيارة أو أي مركبة في شوارع العاصمة تحديدا وكثير من شوارع المملكة يثير الأعصاب ويسبب القلق ، ويرفع الضغط ، ويجلب العصبية .. فترى الناس يتقاذفون إشارات التهديد وكلمات التجريح ويقذفون بعضهم بنعوت تصلح لساكني حدائق الحيوانات .. على الرغم من إن ليس بينهم أي معرفة أو عداوة ، فقط لأن سائق ما توقف فجأة ، أو كادت سيارته أن تصطدم بأخرى ، أو إنه غفى على الاشارة الضوئية لعشر ثوان بعدما اخضرت .. هكذا .. ترى إن جميع أخلاقيات المجتمع سقطت في لحظة زحام واستعجال .. ولا عجب إن رأيت مشاجرة بين سائقين وبعدها طاب ضرب السيف طاب !!أسأل وعن جهل .. كم قانون سير قمنا بتغييره وإعادة صياغته ، وتطبيقه ولم يفلح في كبح جماح هذا الجنون الذي يمارسه عدد غفير من السائقين ؟ .. كم عدد المخالفات التي حررت للاقتصاص من المخالفين دون رادع ، كم من الحملات التي شكلت للحد من حوادث الطرق دون جدوى .
نذرع شوارع المملكة روحة وجيئة ، ونرى دوريات الامن تتناثر بقرب بعضها في كل شارع ، وتصطف المركبات قرب أي دورية لمخالفتها السرعة ، ولا يفيد هذا الحل ايضا في منع وقوع حوادث السير .
من يسير في طريق سريع كطريق المطار مثلا أو على طريق عمان اربد ، لا يندهش برؤية السيارات وهي تتراقص مابين يمين الشارع ويساره ، ومن يدقق النظر سيرى المشهد من أعلى كمن ينظر الى حبات الحصى المتناثرة ، فالسائق لا يلتزم بالمسرب المخصص ، بل إن مسرب يتسع لأربع مركبات تحتله مركبتان ، ومركبة تسير وكأن سائقها يمتطي بغلا ، تسد الطريق السريع ببطئها وتخلف وراءها رتل طويل من مختلف السيارات والمركبات والحافلات التي يصر بعض سائقيها على اللحاق بصواريخ سكود المنطلقة عبر الأجواء .
يصر كثير منا على فكرة إن الشارع هو ملك له ولأبيه ولسيارته ، ويحق له أن يمارس كافة أعمال الطيش والاستهتار ، بل ويصر على إفساح الطريق لسيارات الإسعاف أو إطفائيات الدفاع المدني ، كما شاهدتها بأخت عيني .
وهناك من لا يسمح لأي راجل ان يقطع الشارع حتى لو وصل الحد الى دهسه ، ولا لأي سيارة أخرى بأن تمر أو تلتف ، فالجميع مسرعون ، يتراكضون ، يتسابقون ، حيث يدرون ولا ندري .. مع ان المسافة بين أي مدينة اردنية وأردنية أخرى لا تحتاج الى طائرات كونكورد المرحومة للوصول اليها .. بل أن الفرق بين أوقات الوصول بين مسرع ومتأن لا تتجاوز ربع ساعة ، فلماذا يحاول البعض ان يقرب ساعة نهاية حياته بدقيقة واحدة ؟
المشكلة يا جماعة ليست في القوانين في بلادي بل المشكلة في تطبيقها .. يقتلونك صراخا عن القوانين والآداب العامة والحقوق والواجبات ، ثم لا نجد إلا فئة بسيطة جدا تلتزم بها وتطبقها أو تحترمها .. وهذا ما يدعم لجوء التشريعات الى الغرامات المالية التي تصل في بعضها حد التعسف والجور ضد 90 بالمئة من شعبنا الدائخ عشقا بالفشخرة تحت مراسم الجوع و الحاجة .
وحتى تطبيق القوانين فإنه يحتاج الى أدب اجتماعي عام ، وتربية شعبية ، وتعليم الأطفال بآداب السير واحترام الغير .. فليس من المعقول ان نكتشف فجأة إننا نكره بعضنا البعض الى حد التناحر في الشوارع ، دون سبب .
ومن يلاحظ أو يرصد التجاوزات الرعناء والقيادات الطائشة للمركبات ، سنجد إن فئة الشباب وسائقي الحافلات العامة المتوسطة هم أكثر هؤلاء طيشا واستهتارا .. فكيف يتحكم سائق باص ركاب بارواح عشرات المواطنين ، وكأنه راع يقود أغنامه الى بيت الجزار ؟
ان احترام العموميات هو صنو لاحترام الخصوصيات .. وكما نحب أن تكون بيوتنا محترمة ولها حرمة ونخاف على صغارنا ونغار على دماءنا .. فليتنا نحترم شوارعنا التي هي حرمات جماعية كما نحترم ذاتنا .
وعليه فإن لم نشهد ثورة أخلاقية وفكرية لتطوير حياتنا ، وإعادة إحياء لثقافة وأخلاق وأدب أهل القرية القديمة ، سيستمر هذا الجنون في كل نواحي حياتنا ، وعلى رأسها حروب الشوارع غير المنظمة أو المبرمجة ، وسيبقى السير وقوانين السير تسير عكس اتجاه السير .. حتى يصل الحد ان يرى الملتزم نفسه شاذا في هذا المجتمع .
فهل تتخيلون إن صلاة الجمعة في مسجد يتسع لألف مصل يتربع فيه خمسمائة ، لأنني لا أكلف نفسي بافساح المكان لغيري ، أو إجلاس غيري .. أو ان أقوم بالمساعدة في طي السجاد والحصر التي نصلي عليها خارج المسجد .. ونترك المهمة لخادم المسجد ، وكأننا جئنا الى مطعم لا سمح الله او دفعنا ثمن صلواتنا في المسجد .
Royal430@hotmail.com