الحرب البرية السورية في الميزان
د.حسام العتوم
24-02-2016 12:47 PM
يبدو لي كمراقب إعلامي وسياسي وبتواضع وسط منطقة الشرق الأوسط بأن سيناريو المشهد السوري وسط أحداثه الدموية خطط له أن يمتد وينقسم إلى مراحل متلاحقة تنطلق من ربيعه (الدرعاوي والدمشقي) أن صح التعبير المنبثق من الربيع العربي بالمجمل والذي تم تقديم الأمن على السياسة فيه عن قصد وقصر نظر أصبح من خلاله نظام دمشق الرسمي من حيث لا يدري متورطاً في جر الإرهاب إلى داخل دولته التي عرفت بالقلعة الحصينة الآمنة عبر عقود خلت من الزمن، ثم تورط بنفسه في وحل التطاول على شعبه حسب إعلام المعارضة الوطنية وحلفائها في عمق الجزيرة العربية وفي تركيا.
وكما يعتقد أهل سوريا أنفسهم الذين شردهم هدير الحرب الدائرة بين سلطة دمشق ومؤازريها مثل إيران وحزب الله وروسيا مباشرة والصين معنوياً وبين المعارضة وجيشها الحر والمساندين لهم من العرب والعجم مع بقاء حجة الدفاع عن الشعب السوري ماثلة عند كل الأطراف بينما هي أصوات المشردين تئن غضباً في الداخل السوري وفي دول الجوار العربية والتركية والأوروبية.
وحسب تقرير المركز السوري لبحوث السياسات لعام 2015 فإن عدد اللاجئين زاد على (3) ملايين شخص، وعدد النازحين داخل سورية المدمرة وصل إلى أكثر من (6) ملايين إنسان، وعدد سكان سورية تراجع إلى ما نسبته (21%)، وبأن (17%) من عدد السكان السوريين انخرطوا مباشرة في دولاب العنف والقتال وفي كافة الانحرافات ذات العلاقة بالتهريب، والاحتكار، والسرقة، والاتجار بالبشر، وتجارة الأسلحة، وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل إلى (52%) والفقر إلى (85%)، وبلوغ نسبة غير القادرين على الالتحاق بالتعليم إلى (42%).
وبعد ذلك بدأنا نلاحظ اختلاط أوراق أمريكا السياسية وحلف (الناتو) العسكري الغربي الذي تقوده بالتعاون مع تركيا والعرب وإسرائيل مع رواية السلاح الكيماوي غير التقليدي الحقيقية لنظام دمشق الذي هدد به سراً الدول المجاورة له وأبعد، ودخول روسيا سيرجي لافروف على خط التعاون مع امريكا جون كيري والأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل سحب هذا النوع من السلاح الخطير وكان لهم ذلك، ولم تتمكن أمريكا ومن خلفها (الناتو) من السيطرة على الوضع الأمني في دمشق عندما تمسكت وقتها وبشدة بخيار ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة أولاً عبر مرحلة انتقالية ووفق أعمال مؤتمر جنيف (1) و(2)، ولم تتمكن أمريكا وحلفاؤها من القضاء على الإرهاب الذي استفحل في سوريا تحت مسميات عديدة انشطرت عن تنظيم (القاعدة) مثل عصابات (داعش المجرمة) و(النصرة) و(أحرار الشام)، و(جيش الإسلام) وغيرهم، واتهمت بصناعتهم تارة وبإسنادهم تارة أخرى بالسلاح والتخوين رغم جهودها الناجحة نوعاً ما في مجال سلاح الجو في ضرب معاقلهم في (الرقة) وفي غير مكان، وبعد أن قررت (موسكو) دخول ساحة تقديم العون الفضائي العسكري لدمشق بطلب من سلطتها وبعد موافقة مجلسي النواب والأعيان في بلادها (الدوما) والقصر الرئاسي (الكرملين) ومجلس الأمن انقلبت طاولة الصراع مع الإرهاب، وحتى طاولة الحوار مع امريكا والغرب رأساً على عقب في زمن لم تتعود فيه أمريكا على أخذ الإذن من مجلس الأمن كما إسرائيل، وهو ما كان يشبه في قرانا الذهاب إلى العرس من دون دعوة، ورفضت في المقابل روسيا دخول العراق من دون إذن بكل تأكيد، وبعد التقارب الروسي الأمريكي الملاحظ حول الشأن السوري وأزمات الشرق الأوسط بدأنا نلاحظ تسارع أصوات هدير ماكنة إعلام الدول التي صنفت ذاتها في خندق حلف (الناتو) العسكري بقيادة أمريكا مثل (السعودية والإمارات وقطر والبحرين وتركيا) وغيرها من دول المنطقة المنادية بضرورة خوض حرب برية في سوريا تحديداً دون الالتفاف لعقارب الزمن التي قربت الحوار السياسي والاقتصادي الروسي والأمريكي والغربي في الملفات الساخنة العالقة كافة من دون حلول مقنعة وناجعة، بلا قراءة صحيحة لتاريخ الحروب البرية في (فيتنام 1957–1975) وفي (أفغانستان 1979) وفي (العراق 2003)، وإغماض للعيون عن نتائجها المرعبة، وكيف انقسمت دول العالم الكبيرة إلى شمال وجنوب في فيتنام تحديداً، وكيف انتهت قصة افغانستان التي لن تكرر، وكيف يطول مسلسل الأحداث الدموية في العراق، وكيف كانت الشعوب هي التي تنتصر نهاية المطاف، والآن لن تنفع السعودية الشقيقة الخطة (ب) العسكرية التاريخية التي تساوي بين الإرهاب والنظام السوري للإطاحة بالأسد ونظامه في ظل أجواء التحالف المقابل بين الفدرالية الروسية العملاقة عسكرياً والنظام السوري نفسه وإيران وحزب الله والصين بوجود (فيتو) روسي صيني مشترك لا زالت أوراقه السياسية سارية المفعول وتمنع أية تدخلات عسكرية خارجية في الأراضي السورية التي يجب أن تبقى مصانة وموحدة والمكالمة الهاتفية بين الرئيس بوتين وملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز (19) الجاري لها معنى بهذا الاتجاه، ولا حرب برية مقبولة سعودية وإماراتية كانت أم تركية (مع خالص الاحترام بطبيعة الحال لعلاقتهم الطيبة مع بلدي الأردن، دون استئذان لنظام دمشق ولكل الدول المساعدة له إذا كان الهدف استئصال الإرهاب فقط، وسيبقى موضوع استهداف الأسد ونظامه خط أحمر وعودة غير محسوبة بدقة إلى ما قبل عهد (الفيتو) الروسي الصيني المشترك وإلى أيام الناتو المتمرد، وحتى تصعيداً جديداً للحرب الباردة بين الدولتين العملاقتين روسيا وأمريكا في زمن رفض روسيا لها ودعوتها الصريحة لعالم متوازن متعدد الأقطاب يتمسك بأوراق الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقراراتهما السيادية وعدم الانسجام مع أية شطحات سياسية خارج أسوارهما.
والسؤال الكبير الذي نطرحه هنا على الشقيقة السعودية بعد حربها في اليمن مع الحوثيين ومع حليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ومع عمقهم الإستراتيجي إيران وضمن تحالف عربي عسكري جوي، هو هل المطلوب منها تثبيت سلطة عربية في عدن برئاسة الهادي والإطاحة بأخرى بقيادة الأسد؟ أوليس في قصف (عدن) تطاول على المدنيين تشبه تهمة تطاول الأسد على شعبه؟ وهل أوروبا لا زالت المقصد على مستوى البترول والغاز لمنافسة روسيا عربياً في زمن التعاون الاقتصادي الملاحظ بين السعودية والإمارات وقطر في مجال الطاقة النووية والاستثمار. فالسعودية وحدها اشترت للتو (16) محطة نووية سلمية من (موسكو) لتحميها من احتمال مؤكد لتراجع مخزون النفط بعد ربع قرن قادم، والإمارات وقعت على اتفاقية نووية سلمية تبدأ بتشغيل طاقتها الكهربائية عام 2017، واستثمار قطري في المشاريع المشتركة مع روسيا بحجم ملياري دولار حسب تصريح إعلامي لوزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك أدلى به أخيراً هذا العام وسيف ذهبي هدية من ملك البحرين للرئيس بوتين، ومن ثم هل خطوة السعودية والإمارات وربما قطر والبحرين باتجاه الحرب البرية المنشودة بالتعاون مع تركيا تأتي بطلب المعارضة الوطنية السورية غير الموحدة؟ وماذا عن رأي الشعب السوري المكلوم والمشرد في هذا التوجه؟ وماذا تريد تركيا تحديداً؟
المؤلف محمد نور الدين في كتابه (تركيا والربيع العربي – صعود العثمانية الجديدة وسقوطها (ص441/ 443) كتب قائلاً على لسان مراد تيكين في صحيفة (راديكال) أن الدافع الذي كان يحذو بتركيا لاستئصال اللاجئين السوريين هو الضغط لإسقاط النظام في سورية، ولكن بعد ثلاث سنوات ونيف بقي بشار الأسد ولم يسقط)، وفي صفحة (442) منه حذر سامي كوهين في مقالة له في صحيفة (ميللييت) من أن اللاجئين السوريين لن يعودوا قريباً إلى سورية، بسبب البيوت المهدّمة، وبالتالي على تركيا أن تستعد لإقامة طويلة لهم بكل ما تحمله من أخطار ومشكلات، ويقول أن كلفة الإنفاق على اللاجئين بلغت حتى الآن وفقاً للأرقام الرسمية حوالي (5,3) مليار دولار، وفي (ص435) منه ذكر المؤلف محمد نور الدين في كتابه هذا بأن رئيس بلدية ماردين والنائب الكردي المعروف أحمد تورك في جلسة في ماردين قبل أيام بعث إلى سفير الاتحاد الأوروبي في تركيا ورهط من الصحافيين تقريراً مفصلاً وموثقاً ومدعماً بالأدلة الدامغة، من صور وشرائط فيديو، عن دعم تركيا الرسمي لتنظيم داعش، ومنها تنقل أفراد من داعش بالبدلة العسكرية التركية وبالآليات العسكرية التركية داخل تركيا، وكيف أن رئيس بلدية جيلان بينار عن حزب (العدالة والتنمية) يلتقي داخل أحد الخيم مقاتلين منهم. ولا يتوقف أكراد سورية عن تقديم أدلة أخرى عن فتح الحدود لمقاتلي داعش للتسلسل إلى سورية وللتداوي في تركيا كلما نشبت معارك بينهم وبين المقاتلين الأكراد.
وفي صفحة (443) منه كتب المؤلف محمد نور الدين قائلاً أيضاً: (واليوم، ينظر الأتراك بعين الريبة إلى التعاون العسكري المشترك بين قوات (حزب العمال الكردستاني) في تركيا وسوريا وبين قوات البيشمركة بزعامة مسعود البرزاني، وهو ما يزعج الأتراك الذين يدعمون (داعش) في حربها مع مقاتلي حزب (الاتحاد الديمقراطي) الكردي في سورية الموالي لحزب (العمال الكردستاني، إذ يتخوف الأتراك من أن تحمل هذه التطورات تغييراً في طبيعة التحالفات والمعادلات). انتهى الاقتباس.
وتعليقاً على ما سبق نقول هنا بأن التدخل الموسمي التركي في الشأن العربي خاصة وسط الجبهتين السورية والعراقية غير مشروع، وسبق لأنقرة أن صادقت نظام دمشق وحاولت مساعدته سراً للتحاور مع إسرائيل لإعادة هضبة الجولان المحتلة، وهكذا هي علاقة تركيا مع إسرائيل ذاتها عندما قطعت علاقتها معها بسبب تطاولها على سفينة الحرية، ثم عادت وفتحت أبواب السفارات والعلاقات الاقتصادية بينهما، وفي الوقت الذي طمحت فيه تركيا للاستفادة من ورقة عصابات داعش بهدف إسقاط الأسد ونظامه من جهة وهو الذي لم يحصل حتى وقتنا هذا، وللحصول على النفط السوري المسروق داعشياً بأسعار زهيدة وهو الذي كشفته الرقابة العسكرية الفضائية الروسية وغيرها وتم تدمير معظم قوافله وصهاريجه بجهد عسكري روسي جوي مباشر، وتعمل على ضرب المكون الكردي المطالب بحكم ذاتي تركي بزعامة عبدالله أوجلان المحكوم بالسجن المؤبد في جزيرة (امرالي) التركية جنوب بحر مرمرة، وهو الذي يتغلغل بكل ما هو سوري وعراقي أيضاً، وجزء لا يتجزأ من المعارضة الوطنية في سورية تحديداً التي تدعي تركيا وبالتعاون مع السعودية والإمارات وقطر إن الحرب البرية القادمة تأتي دفاعاً عنها وصوناً لكرامتها، وتركيا كما ألاحظ ومنذ غدرها للطائرة العسكرية الروسية سوخوي (24) المخترقة لأجوائها السيادية كما تزعم ورغم العلاقات الطيبة السابقة مع موسكو ومنها المليارية الاقتصادية بحجم (400) مليار، وتنبيهها لروسيا مجدداً بعد ذلك لشبهة اختراق جوية ثانية واستدعاء للسفير الروسي بأنقرة ومماحكة روسيا في مضيق البوسفور وإعلامياً كذلك مثل الغمز بتلويح روسي باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة سرابية بعد الارتكاز على تصريح اجتهادي لرئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيدف، ومحاولتها قيادة حرب برية داخل الأراضي السورية غير محددة الهدف بالتعاون مع دول عربية هامة إنما هي تلعب بالنار، وأمريكا وحلف الناتو وقتها لن يفيداها بشيء.
وفي الختام يمكنني القول بأن وطني الأردن الغالي لن يزج بجيشه الباسل في حرب مجاورة برية غير محسوبة نتائجها، وسيكتفي بحماية حدوده وداخله، وتقديم العون اللوجستي والإسنادي لمواصلة مقارعة الإرهاب فقط، وأية حرب من هذا النوع لا يملك امتيازها إلا لجيش السوري والمعارضة الوطنية والشعب السوري المكافح ومن يرغبون أن يساندوهم فيها وفق اتفاق مسبق.
الراي