ثمة اكثر من مائة ساعة على دخول اتفاق «الهدنة» الذي توصل اليه اللاعبان الأهم في الأزمة السورية، روسيا والولايات المتحدة بعد طول جدل ومناكفات واشتراطات، ليدخل حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة/السبت، ولم تتوقف بعد – ولا يبدو انها ستتوقف – ردود الفعل على هذا «الاستيلاد» الصعب, لاتفاق تم استبعاد ما وصفت ذات يوم بـِ «مجموعة دعم سوريا»، التي لم تنجح في وضع «جنيف3» على سكته الصحيحة, نظراً لارتفاع منسوب الابتزاز والتهويل والضغوط, التي مارستها اطراف معروفة في هذه المجموعة، كي تُرَجَّح كفّة «المعارضات» السورية وتمنح الشرعية لوفد معارضة اسطنبول, وتستبعد, عن قصد, باقي أطياف المعارضة التي لم تتوافق على معارضة اسطنبول كون الأخيرة ارادت لنفسها – كما اراد لها الرُعاة والمُموِلون وأصحاب القرار – ان تكون هي «وحدها» في مواجهة وفد الحكومة الشرعية.
ما علينا..
لم تَخْرج – حتى الآن – اي عاصمة عربية او غير عربية، رافعة عقيرتها اعتراضا او تشكيكا او رفضا صريحا للاتفاق الروسي الأميركي، ولم تُوعِز احدى هذه العواصم, لأي مُعارضة مَرعِيّة من طرفها، لإعلان «التمرد» على الاتفاق واعتباره غير «مُقيِّد» لها، بل برزت اصوات من داخل ائتلاف اسطنبول وخصوصا الهيئة التفاوضية العليا التي انبثقت عن مؤتمر الرياض برئاسة رياض حجاب، ومَنْ جيء به «تُركِيّاً» ليرأس الائتلاف خالد خوجة، لتتحدث عن «اشكالية» مع تنظيم «النُصْرة» كون هذا التنظيم ليس متواجداً في ادلب فقط بل موجود في حلب وفي دمشق وفي الجنوب، قال خالد خوجة، ليُغطّي كعادته, على تحالفه مع جبهة النصرة التي سعت عواصم عربية واخرى غير عربية، كي تجذبه الى صفوفها رغم علم الجميع، انه الذراع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي، لكنهم – هؤلاء – غير معنيين بهوية هذا التنظيم»القاعِدي», بقدر ما هم متورطون في تحالف ميداني معه، ويُعوِلون عليه كي يحول دون انهيار كل تلك المعارضات المُصطنعة, سواء في شِقها العسكري التي كشفت ميادين المعارك هشاشته ام في جانبها السياسي, حيث لم يعد لثوار الفنادق من يعبأ بهم ولم تعد الطائرات الخاصة مُتوفرة لنقلِهم حيث يشاء الرعاة ومغلفات المصاريف لم تعد... تصل.
هنا إذاً تكمن القُطبة المخفية، لا يريدون ان تُصنّف ذراع القاعدة (جبهة النصرة) في خانة المنظمات الارهابية التي لا يسري اتفاق الهدنة عليها، وأنها – وفقاً للاتفاق – كما داعش, خارج هذه الهدنة والضربات ستتواصل على هذين التنظيمين الارهابيين دون هوادة او توقف.
المعارضات السورية وخصوصاً هيئة رياض حجاب التفاوضية, باتت عارية من أي قوة, فهي هُزِمَت في الميادين – بافتراض انها تملك سلطة على الارهابيين ومجموعات المُسلَحين الذين يلوذون فراراً في الجبهات – وهي «سياسياً» وبعد أن فقدت آخر أوراقها في جنيف 3, عندما أبدت صلفاً وعناداً ووضعت اشتراطات, ظنت أنها قادرة على فرضها, فاذا بها الان وبعد أن اوشكت مدينة حلب على العودة الى حضن الدولة الشرعية وخصوصاً بعد تحرير اريافها الاربعة, رغم عقدة «اعزاز» التي ستكون الحفرة التي ستقع فيها تركيا اردوغان..
لم يعد لديها – هيئة رياض حجاب – من اوراق يمكن ان تُقايِض بها على طاولة المفاوضات, التي لا يلوح في الأفق أنها ستُستأنف قريباً, في انتظار مصير الهدنة, التي إن بدأت لا يمكن التكهن بمدى صمودها, لاسباب لا تخفى على أحد وخصوصاً أن المُتضررين من استمرارها, لن يألوا جهداً من أجل نسفِها, كي يواصلوا تدخلهم في الشأن السوري ظناً منهم أنهم قادرون على تغيير أو تعديل موازين القوى الراهنة التي في غير صالحهم - ولن تكون كما يجب التذكير.
اين من هنا؟
لن يتوقف - في ما يبدو حتى الان - رياض حجاب الذي انتهج سياسة رفع الصوت والتأشير بأصبعه تهديداً أو تحذيراً, عن محاولة عرقلة أي توافق, وخصوصاً اذا ما توقفنا عند رد فِعله الأولي على الاتفاق عندما قال في غطرسة رغم معرفته أن لا ارصدة أو أوراقاً في جعبته الفارغة: ان الهيئة العليا ستقبل (...) الهدنة «اذا».. اوقفت سوريا والاطراف الداعمة لها, «كل» اشكال الحصار علاوة السماح بإدخال المساعدات واطلاق سراح «جميع» السجناء وانهاء القصف والهجمات على المدنيين (كذا حرفياً).
فهل يملك الجنرال حجاب حقاً, قدرة ميدانية أو سياسية لتعطيل مفاعيل الهدنة اذا ما دقت ساعتها؟ وهل لدى من يدعمونه وهيئته التفاوضية, القدرة والامكانية والتأثير لنسف الهدنة وتوجيه صفعة لواشنطن وموسكو معاً؟
وأليس صحيحاً أنناً لو عدنا الى ايام تراشقات جنيف 3, لاكتشفنا ان الثائر الكبير لم ينس حرفاً ولم يتذكر شيئاً مثل آل بوربون, وكرّر الكلام ذاته الذي قاله في اروقة الفنادق وفوق شوارع جنيف... ونواصيها؟
مُؤسف أن نرى معارضات مُصَنّعَة كهذه, تنطق كذباً باسم الشعب السوري, الذي فاقت نكبته ومآسيه كل التصور والسيناريوهات, فيما هؤلاء, وخصوصاً من يدعمهم ويرعاهم ويمولهم.. يمعنون غطرسة واستكباراً واستهتاراً بأرواح السوريين ومستقبلهم وتاريخهم ودولتهم الضاربة في اعماق التاريخ.. والجغرافيا أيضاً... ودائماً.
الرأي