هل الحكومات جادة في ملف تطوير الاقتصاد والاستثمار؟
د. عادل محمد القطاونة
22-02-2016 11:31 PM
الامارات العربية المتحدة، سنغافورة، ماليزيا، هونغ كونغ وغيرها من البلدان التي استطاعت عبر السنوات القليلة السابقة وضع بصمتها على الخارطة الدولية اقتصادياً عبر خطوات محسوبة وقرارات مدروسة، بعيداً عن لغة التنظير والتقرير، التمويج والتهريج، وعبر هياكل تنظيمية واضحة غير قابلة للتأويل ولا التمثيل وضمن منظومة علمية منهجية متطورة يحاكي فيها الوقت المكان ويخاطب المكان فيها الانسان، وفي تناغم دراماتيكي اكتواري متزن يتنفس الاقتصاد مدخلات مفهومة ويعالج بيانات معروفة لينتج مخرجات محسوسة.
امارة دبي وهي واحدة من الامارات في دولة الامارات العربية المتحدة استطاعت لوحدها ان تضع نفسها مركزاً للسياحة الدولية عبر صحراء قاحلة وهضبان راكدة انتقلت بها لابراج شاهقة واعمال ناجحة ليكون دخلها السنوي المقدر من السياحة خلال السنوات الثلاث القادمة (2014-2017) أكثر من 300 مليار درهم اي ما يقارب من ال82 مليار دولار امريكي، في وقت تتطلع الامارة لاستقطاب 20 مليون سائح بالسنة يرافقه نمو في قطاع التجزئى ليصل لاكثر من 151 مليار درهم اماراتي وارتفاع نسبة الدخل المتوفرة للصرف، يرافقه تدفق منتظم للعلامات التجارية العالمية، اضافة للمهرجانات المتعددة والحملات الترويجية المدروسة مثل مهرجان التسوق الذي يرفد الامارة بمليارات الدراهم خلال فترة قياسية يرافق كل ذلك تطور متسارع في البنية التحتية ومشاريع مرصودة وزيادة في عدد الفنادق والمولات والمشاريع العملاقة والابراج المتعددة والنمو الهائل في قطاع التجزئة.
انتقالاً الى سنغافورة التي تعتبر واحد من أعلى الدول في معدلات الناتج المحلي الإجمالي للفرد في العالم، يرافق ذلك ازدهار في المطارات والموانئ وشبكات الطرق والتي تعتبر من بين الأفضل في العالم. ويعتمد اقتصادها على التجارة الدولية والسياحة، تشمل صناعاتها الرئيسية تكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية، وتكرير النفط وتصنيع الأدوية والمواد الغذائية المصنعة والمشروبات، ومنتجات المطاط وإصلاح السفن.
في السنوات الأخيرة، تحركت الحكومة السنغافورية للحد من الاعتماد على تصنيع وتصدير الإلكترونيات من خلال تطوير قطاع الخدمات داخلياً، فضلا عن الصناعات التقنية الحيوية والكيميائية والبتروكيميائية فضلا عن السياسات الحكومية التي عززت التنمية الاقتصادية، والسياسة الاقتصادية الموجهة نحو التصدير التي شجعت تدفقات البينية للتجارة والاستثمار ليصل حجم الاستثمار الامريكي فقط في سنغافورة لاكثر من 140 مليار دولار امريكي حتى العام 2013!!
في خضم الحديث عن مئات المليارات يتغنى البعض بعشرات الملايين بين الحين والآخر وعبر مشاريع استثمارية خجولة تبحث عن وجهتها الحقيقية في سياحة أو نقل، تعليم وصحة، وعلى الرغم من ايجابية الموقف الاردني وسياسته الثابتة في كافة المحافل بدعم الاستثمار والمستثمرين، الا ان واقع الارقام الحقيقة على الارض لا يلبي الطموح في كثير من الحالات بسبب ضعف التخطيط تارة وفي أحادية القرار الاستثماري تارة أخرى، انتقالاً للفكر التقليدي الممزوج بقوانين ضريبية متضاربة وقوانين اقتصادية متشعبة وقوانين استثمار مبهمة يخالطها انظمة وتعليمات، اجراءات ومراسلات، لينتقل الفكر الاستثماري بكل ايجابياته الى فكر تقليدي بكل سلبياته.
أخيراً وليس آخراً فان الوقت قد حان لساسة الاقتصاد والاستثمار لدراسة الارقام بشكل أكثر دقة وحرفية، والبحث في ما بين الارقام والكلمات للخروج بمجموعة من الحقائق والدلالات في حقيقة الاستثمار والاقتصاد بعيداً عن لغة التنظير والتأكيد عبر هيكل استثماري واضح المعالم يكفل توجيه مئات المليارات الى المملكة عبر توليفة محكمة تسمح لقلعة الكرك وقلعة عجلون أن تكون وجهة سياحية لملايين السياح، عبر نظرة تمكن الحكومة من تحويل المفرق ومعان لمراكز فكرية تكنولوجية، وصولاً الى نقل البترا وام قيس وجرش لتشكل مفصلاً في خارطة السياحة العالمية، عندها يصبح الحديث عن قوانين اللامركزية والبلديات والشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص أكثر موضوعية وأكثر اتساقاً ننقل من خلالها المواطن الاردني ليكون أكثر ايجابية، أكثر جرأة في صنع القرار الاستثماري والاقتصادي في مدينته وقريته لنصل في فكرنا الوطني للمواطن الأمثل، المواطن المنتج الذي يبحث عن اقامة مطعم او محل تجاري هنا او فندق هناك ليسهم في تحقيق لبنة في الاقتصاد الوطني لينعكس كل ذلك على انخفاض في معدلات الفقر، البطالة والجريمة عبر نظرة شمولية محكمة تحاكي العقل والمنطق لنخرج الى العالم في ثوب جديد يقدم الاردن كدولة أنموذج اقتصادياً واستثمارياً.