ورحل .. أخر العمالقة العرب !
الدكتور احمد القطامين
22-02-2016 11:31 PM
عندما كانت تدلهم الامور على الامة، وتتداعى الاحداث ويصبح فهم ما يجري عصيا.. كنا ننتظر بفارغ الصبر تحليل محمد حسنين هيكل لتلك الاحداث التي كانت دائما احداثا تصنف ضمن خانة اللامعقول.
رحل هيكل بعد سبعين عاما من العمل الصحفي بدأها كمراسل صحفي في الحرب العالمية الثانية وانهاها مفكرا استراتيجيا استثنائيا يغوص عميقا في تحليل الاحداث ليقدم للمتابع صورة ذهنية ساطعة الوضوح لموضوعات شديدة التعقيد.
كانت دائما مشكلته الاساسية انه عروبي التوجه حتى النخاع .. لذلك كان هدفا دائما لاقلام الصحفين المرتبطين بانظمة الاستبداد العربية.. فاثيرت حوله الشائعات لكنه ظل قامة فكرية سياسية لا تأبه بكل ما يجري حولها من دسائس ومؤامرات وتمضي في خدمة اهداف الامة دون كلل.
كتب في كل القضايا العربية الشائكة وقدم تفسيرات نادرة العمق لحركة التاريخ في المنطقة، واستشرف المستقبل في العديد من الاحداث الجسام ونبه الى قضايا ذات تأثيرات استراتيجية فادحة على كيان الامة، وفي أخر ما قدم نصح الامة الابتعاد عن الدخول في مزبلة الطائفية والمذهبية والى اللجو الى الحوار مع الخصم المسلم والتركيز على العدو الحقيقي للامة، وعندما حانت ساعة النهاية قدم درسا عميقا في التوازن الشخصي الانساني حيث قال لاطباءه حاثا اياهم على التوقف عن محاولة الحيلولة بينه وبين الموت "انتهت الرحلة.. ولا داعي لمعانة القدر" ..
ان الامم الحية تودع عادة العظماء فيها بشكل لائق، فذاك مؤشر اساسي من مؤشرات عظمة الامة.. ولعل سؤ حظ الراحل هيكل انه رحل في زمن انحدرت فيه الامة الى واد سحيق من التخلف وساد الجهل الفكري والثقافي واصبحت وسائل التواصل الاجتماعي توجه المواقف من الاحداث على ضحالة المضمون وانفلات الدوافع..
بغض النظر عن اختلاف المواقف من مسيرة هيكل، ستظل ذاكرة الامة تحتفظ بذاك الانتاج الثقافي العميق والواسع الذي ابدعه هيكل خلال حياته والذي شكل شاهدا على ان الامة رغم كل المعوقات تمتلك في ضميرها ووجدانها اشياء عميقة ومفيدة، والامم التي تمتلك تلك الخصائص قد تكبو وقد تقع ارضا الا انها يوما ما ستستعيد التوازن وتمضي الى الامام..
الرحمة للراحل الكبير والبقاء للامة...
qatamin8@hotmail.com