لم يحدث من قبل ان فقدت أمّة "الشّدة على حرف الميم" وأصبحت أَمَة ! ولم يحدث ان تحوّل الواحد الى كسور عشرية ظنّا منه بأنه سيصبح اكثر والعالم العربي الذي كان يسمى ذات عروبة غاربة الوطن العربي طوى تاريخه واستخدمه وسادة ونام، ورغم كل ما نزف من دماء سواء في مقاومة الاستعمار او الاستبداد اصبح الان طيّعا وليّنا كالعجين، يعاد تشكيله احيانا على شكل سيف واحيانا على شكل بعير.
قبل قرن من الزمن كان يشكو من التقسيم وهو الان يسعى اليه، وقبل نصف قرن كان اطيافا سياسية تتعايش احيانا وتتنازع احيانا اخرى، لكنه بدّل الطيف بالطائفة، واصبحت تضاريسه مرسومة وفق مقياس يحدد خطوط الطول والعرض طائفيا ومذهبيا وانقلبت مزاياه سواء كانت تاريخية او جغرافية تبعا لموقعه الى عيوب تماما مثلما حوّل النّعمة الى نقمة قدر تعلقها بالثروات التي بددتها ثورات عمياء من طراز غير مسبوق تكون ضحاياها من الاثار والمتاحف والكتب وكل ما أنجزته الحضارات.
والعجيب ليس ما يحدث للعرب الان، بل الكيفية التي يتعاملون بها مع ما يحدث لهم، وكأن الدّماغ الديناصوري لا يتسلم اية برقية من الساق اذا بُترت، ولا يشعر بالالم الا اذا بلغه السكين تماما!
ان المشاهد المتلفزة رغم فظاعتها ليست الحقيقة كلها، فما يحدث وراء الكواليس أشد وانكى، وستظهر الايام ولو بعد حين ان المخفي كان اعظم .
وما الحقه عرب هذه الالفية بأنفسهم هو اضعاف مضاعفة لما الحقه الغزاة بهم، لأنهم تتلمذوا على فلسفة خلاصتها ان ظُلم ذوي القربى اشد مضاضة، لهذا تسامحوا مع ذوي البُعدى، وكان آخر عدو لهم محظوظا بكرمهم الحاتمي فهم لم يذبحوا الخيول فقط بل قدموا لحم اطفالهم في اطباق من ذهب لمن كسر الباب ولم يطرقه .
من منّا اليوم يجرؤ ان يكتب ما كتبه المؤرخون العرب القدامى امثال ابن الاثير ؟ ومن منا يعاتب والده لأنه انجبه وأمه لأنها حملت به كي يرى ما يرى ؟
ما كتبه ابن الاثير كان عن غزاة انحدروا عن سلاسل الجبال بخيولهم وسيوفهم وشهوتهم للقتل والاغتصاب، لكن ابن الاثير الحفيد والجديد وهو المثقف الفضائي تحوّل الى ببغاء تردد الصدى والى حرباء تحاول الفرار بجلدها الملون!
الدستور