صدور رواية مقهى البازلاء للكاتب الاردني عثمان مشاورة
20-02-2016 03:26 PM
عمون - صدر حديثا، عن دار إبداع للنشر والتوزيع في القاهرة، رواية مقهى البازلاء، للكاتب الأردني عثمان مشاورة.
تتناول الرواية مرحلة بعد ما بعد التقاعد للعقيد نايف الصالح والذي انهيت خدماته، أخيرا، من الجيش الأردني، فبعد أن كان منفوخا كبالون، ومنخرطا بكلّ حواسه ومكنوناته بعمله، كقائدٍ للكتيبة الخامسة، فؤجئ ذات صباح، بكتاب استقالته ملقىً أمامه بشكلٍ منفرد فوق المكتب.
تدور أحداث الرواية في فصولٍ مختلفة زمنيا، لكنها لا تلبث أن تلتقي بنهاية المطاف، ففي مقهى الجنرال، ملتقى المتقاعدين العسكريين، حيث الرزنامة الورقية مُعلّقة فوق الحائط، كأي شيءٍ جامدٍ من أثاث المكان، ودون أن يكترث أحدٌ لفض بكارة أيامها، والعناكب تركض فوق الجدران بأرجلها العديدة، تتدلى من السقف، تتأمل الوجوه ثم تصعد بخيوطها الشفافة، وبشكلٍ مباغت وفضولي، ينهض العقيد ثم يجلس إلى طاولة شابٍ صحفي يبدو أن لا معرفة مسبقة تجمعهما، يُعطيه دفتر مذكراته، ثم يطلب منه تدوين تلك الأحداث التي جرت معه على شكلِ مقالات في صحيفته، لكن الأمر ينحو منحىً آخر.
تتقدم الأحداث وتتأخر، بتقنيات سردية مختلفة ومبتكرة، وبحسٍ قصصي واعي جدا، ضمن فصول قصيرة، وتتداخل مع بعضها البعض في علاقات كابوسية مسترسلة، حيث يستوحي الكاتب الشكلَ من المضمون، ومن المتاهة الداخلية للعقيد، وما يرافق التقاعد المبكر برتبة معتبرة من حياة الجيش؛ البحث عن الذات المسلوبة وإعادة الأمجاد، محاولة ترويض النفس العسكرية في بيئة مدنية محبطة ومخالفة لما كان عليه الأمر فيما مضى.
الكموميديا والتراجيديا والتأثيث المذهل للمكان والزمان والشخوص، تترافق معا كما هو اسلوب الكاتب، المكنونات العاطفية والتفاصيل الداخلية والهواجش للشخصيات، الصورة الخارجية، كل شيء له مكانه الخاص في السطور وما بينها.
رواية مقهى البازلاء، رواية جديدة في طرحها وشكلها، تبدأ القصة من صورة الغلاف؛ لوحة لبيكاسو، ومن العنوان الصادم في تركيبته، لتصل إلى آخر كلمة في فصلها الأخير، مشغولة ومحبوكة بعنايةِ أمهر حايكي الروايات.
ومنها نقتبس:
(وذات يوم تشاجر العقيدُ مع شخصين غريبين كانا يجلسان قبالة بعضهما البعض في قاعة انتظار طبيب الأسنان، يتبادلان أطراف الحديث بهدوء، لكن المُقلق في الأمر أن أحدهما يميل برأسه نحو أذن صديقه، ثم يتحدثان بصوتٍ خافت، ولم يتسنى له، رغم أنه استجمع قواه الذهنية ووجّه كلَّ حواسه نحوهما، أن يسمع كلمة واحدة مما يهمسان به لبعضهما البعض، وأخيرا تجاهل الأمر مقنعا نفسه بأنهما يتحدثان بأمرٍ خاص، وأمسك بإحدى المجلات من فوق المنضدة، وراح يتصفحها ويُلقي بعض النّظرات على صور الفتيات وهن يبتسمن بينما يرتدين حمالات الصدر الملونة على شاطئٍ ما، كدعايةٍ لواقي الشمس ومراهم العناية بالبشرة، وأطال النّظر والتمعن في كل صورة، ولبرهة ارتخت تشنجاته الخفيفة، فقد شعر بجمالية الحياة وجدارة العيش فيها بسبب وجود فتياتٍ بهذا القدر من الجمال والتّأنق، لكنه وبعد أن أغلق الصفحة الأخيرة، وقبل أن يعيد المجلة إلى مكانها، ندت ضحكات خافتة عن الرجلين المتهامسين، وعندما نظر إليهما، تلاقت الأعين على وجه الصدفة بالتزامن مع تلك الضحكات المكتومة في البطن، وكان ذلك بمثابة سخرية موجهه تماماً إلى شخصه، إنه موضوع التندر والضحك دون شك، فهذه إهانة لا تُغتفر، أن يتحدثا طيلة الوقت عن عسكري متقاعد برتبةِ عقيد. وأخيرا خبط المجلة على الطاولة الزجاجية بقوة، وقف موجهاً سبابته، ومتطلعا إليهما من فوق أنفه:
* دعاني أخبركما بشيء أيها السيدان، إن الضفادع تُنقنق في المستنقعات العفنة، أما الرياح فتهدر بقوةٍ فوق الجبال!
ولما لم يفهم أي من الرجلين ما يقوله العقيد، رجل الوثائقيات، التزما الصمت والنظر إليه وهما يهزّان رأسيهما. لكنه تابع بالغضب ذاته:
* إن كنتما تدعيان الرجولة بما يكفي، فليخرج لي أحدكما خارج هذه العيادة لكي أريه من هو العقيد نايف على وجه التّحديد!)
ويذكر أن هذه الرواية هي العمل الأدبي الثالث للكاتب الأردني الذي حصل على عدة جوائز محلية وعربية في مجال القصة، وآخرها المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2012 عن مجموعته القصصية رجل الثلج.