محمـد حسنين هيكل لم يكن صحفياً فقط، بل كان سياسياً ومفكراً أيضاً، وكان شريكاً فاعلاً في الحكم وصنع القرار في العهد الناصري وإلى آخر يوم في حياته. يكفي القول بأن كتاب عبد الناصر (فلسفة الثورة) الذي يمثل الرؤية الاستراتيجية للنظام من تأليف هيكل، وأن الخطاب الشهير لاستقالة عبد الناصر بعد هزيمة حزيران من قلم هيكل، وأن البيانات السياسية والعسكرية التي أصدرها السادات قبل حرب تشرين 1973 وخلالها كتبها له هيكل، وهو صاحب اصطلاحات جارية مثل النكسة، وإزالة آثار العدوان.
هيكل شارك في إدارة الحكم في مصر من الخلف، فكان الناصح والمرشد للرؤساء، كما أسهم في توجيه بوصلة الثورة الأخيرة التي أسقطت حكم الإخوان، وهو الذي قارن بين ثورة عبد الناصر وثورة السيسي بأن الأولى إنقلاب عسكري انضم إليه الشعب، والثانية ثورة شعبية انضم إليها الجيش.
يقول البعض أن قرب هيكل من عبد الناصر وفر له المعلومات وأطلعه على الاتجاهات، والواقع أن تبادلاً حصل بين الرجلين: عبد الناصر مصدر المعلومات والوثائق، وهيكل صانع القرارات والتوجهات.
المفروض نظرياً أن الصحفي الذي يرتبط بالحاكم يسقط مهنياً، ويفقد مصداقيته، ويعتبر مجرد بوق للسلطة، لكن
هيكل ارتبط بالرئيس المصري من مركز قوة، فقد كان هيكل يحتاج عبد الناصر بقدر ما كان عبد الناصر يحتاج هيكل، ولم يكن هيكل في نظر عبد الناصر مجرد صحفي بل مستشار أيضاً.
كان مقال هيكل في الأهرام (بصراحة) كل يوم جمعة يستغرق صفحة كاملة بأسلوب أشبه بالموسيقى، وكان يعتبر مؤشراً لسياسة مصر وتوجهاتها، فهو يمهد الطريق لاتخاذ القرار.
في هذا المجال أقف أمام مقال هيكل بعنوان «إني اعترض» الذي نسف الوحدة الفدرالية الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، التي كان قد اتفق عليها في القاهرة بين الأطراف الثلاثة، بحجة أنها تضع مصر بين المطرقة والسندان، حيث كانت سوريا والعراق تحت حكم البعث. ولو تمت هذه الوحدة لكان تاريخ الأمة العربية في العصر الحديث قد تغير.
في سلسلة المقابلات التلفزيونية التي أجراها مؤخراً بعنوان (مصر أين ومصر إلى أين) أذهل هيكل المراقبين بصفاء ذهنه وقوة ذاكرته ونشاطه العقلي في هذه السـن، فقد ظل نشيطاً وعاملاً في السنة الثالثة والتسعين من عمره، رحمه الله.
الرأي