الأولوية الأولى التي ينبغي أن يشتغل بها السياسيون الأردنيون في الوقت الحاضر تتمثل بالعمل على حماية الأردن دولة وشعباً وأرضاً في ظل خطورة المشهد السياسي، وتدهور الأوضاع في الإقليم على نحو يحمل معه نذر الخطر المتفاقم على مختلف الأصعدة.
الحماية الحقيقية المقصودة ليست بتدبيج المقالات ونسج القصائد في حب الوطن، وليس بالاستغراق في كيل المديح والإكثار من مظاهر التزلف، بقدر ما يكون بالشعور بالجدية والنزوع إلى منهج التفكير السليم، وبذل الجهد في إعادة قراءة المشهد الداخلي والخارجي بطريقة موضوعية ناقدة وجريئة، من جميع الأطراف على اختلاف توجهاتها وتباين مواقفها، لأن اللحظة الراهنة تقتضي تجاوز كثير من التفصيلات التي يمكن تأجيلها.
الحماية الشاملة تقتضي النظر إلى كل المسارات الرئيسية بلا استثناء، وربما يكون المسار الداخلي هو الأوفر حظاً في الرعاية الأولى والاهتمام الأعظم، لأن المنطق البدهي يفرض العناية ببناء الذات وترميمها، وسد كل منافذ الخلل والنقص والضعف الداخلي من أجل امتلاك القدرة على مواجهة الأخطار الخارجية.
كل التجارب البشرية على مدار التاريخ القديم والحديث تشير إلى أن معظم أسباب الانهيار، وأغلب عوامل الهزيمة كانت بسبب مكامن الخلل في الداخل، ويتمثل ذلك بنوع من الخيانة الوطنية أو الاختراق الأجنبي أحياناً، أو ضعف بنيوي حاد في اقتصاديات الدولة أو عجز فاضح في هيكلها الإداري ومواردها البشرية، أو إهمال متراكم في منظومتها السلطوية أو غير ذلك من جوانب الترهل التي تنحت في بنية الدول وقدرتها على الاستمرار والصمود.
إذا تم الاتفاق على هذه المقدمة، فإن ذلك يعني الشروع في تدشين مشروع الاصلاح الوطني الشامل، الذي يتناول جميع المسارات الحيوية بطريقة جماعية مدروسة، تؤدي إلى تمتين البناء وتعزيز أوراق القوة القادرة على الصمود في مواجهة عاصفة الأخطار التي تحيط بنا من كل الجهات، والخطوة الأولى في هذا السياق تتمثل بصناعة التوافق على الرؤية العامة والخطوط الاستراتيجية العامة التي لا خلاف فيها، بحيث تكون الحكومة والشعب والمؤسسات منخرطة في مسار واحد ومحصلة واحدة؛ تتجاوز فيها كثيراً من التناقضات، كما يجب الحذر من تلك الجهات الداخلية التي تحاول الاستثمار الشخصي في الأخطار على حساب المصلحة العامة، والتي تمتهن الفساد بشكل دائم، وتعمد إلى عرقلة كل خطوات الاصلاح الحقيقية وتضع العصي في دواليب التقدم.
الخطوة الثانية تتمثل بوضع الركائز التشريعية لبناء بيئة سياسية سليمة، وهذا يقتضي بذل الجهد في العمل على إخراج سلطة تشريعية قوية، تتمتع بثقة الشعب الأردني، وتتمتع بروح وطنية عميقة، وانتماء أردنيا راسخا لا يقبل أي درجة من درجات التهاون في هذه المسألة الدقيقة، لأن المنطق البدهي يقرر أنه يستحيل على أي جهة أو طرف أن يسهم في بناء الدولة إذا كان فاقداً لمعنى الانتماء الوطني والولاء العميق للدولة، الذي يشكل الروح الحقيقية الدافعة للعمل والإنجاز، والروح العامة القوية القادرة على مواجهة مافيات الفساد وجماعات لصوص المال العام.
الخطوة الثالثة تتمثل بالتفكير نحو إيجاد حكومة وحدة وطنية تحظى بثقة الشعب الأردني، وقادرة على التعامل مع الظرف الاستثنائي الحرج الذي يبسط ظلاله على المنطقة بأسرها، وقادرة على حشد الطاقات الوطنية المخلصة المأمونة على مستقبل الأردن ومستقبل أجياله، وقادرة على حفظ مقدرات الشعب الأردني بطريقة لا تقبل التهاون، وبطريقة قادرة على تجاوز كل حالات الضعف، بكل عزيمة و جرأة ورجولة وشجاعة وطنية.
الدستور