هنالك مراحل وقضايا لا يجوز ان يكون منتصر الا الوطن وتماسكه وثوابته ومؤسساته. ولا يجوز ان يحمل اي فرد قناعة او نشوة بأنه حقق انتصاراً باستخدام امور لا يجوز ان تكون ادوات، لأن تحولها الى ادوات امر بحد ذاته مشكلة تستحق الحل والمتابعة.
لن نذهب بعيداً في الرمزية والحديث العام، فنحن نتحدث عن امر يجري تداوله بعد حديث الملك الى وكالة الانباء الاردنية، وهو ان ما قاله الملك تعزيز ونشوة لطرف سياسي، لأن من يعتقد هذا ويمارس الفرح بناء على هذا الاستنتاج يتجاوز ثابتاً سياسياً هاماً وهو ان الملك مظلة لكل الاردنيين.
فالملك ليس طرفاً في اي خلاف في وجهات النظر او اي شكل من اشكال التنافس, واذا خرج ما يجعل اي طرف يعيش نشوة او اعتقادا بأنه منتصر من اي مرحلة اعتماداً على حديث ملكي فهذا امر يجب تصحيحه، ومنع تحوله الى عنوان لمرحلة سياسية جديدة، لأن هذا يفتح ايضاً شكلاً جديداً من اشكال الحرب السياسية الباردة او محاولة (استثمار) ما يعتقد البعض انه انتصار.
نقول هذا لأن الهدف الاساسي من حديث الملك كان انهاء حالة من الجدل والتنافس السياسي التي اوجدت امراً استحق تدخل الملك. فإذا كانت قراءة البعض تقول على قاعدة النصر والهزيمة، فهذا امر يعني تجاوزاً للهدف الاول، وسنعود الى المربع الاول الذي كان يعني خسارة حقيقية للدولة.
وفي الاطار الاوسع فإن هناك اساسيات يجب ان نحافظ عليها وهي حق الحوار حول كل القضايا ما دام حواراً قائماً على المعلومة، ويحترم حق كل الاطراف في امتلاك وجهة نظر ورأي شخصي او موقف سياسي, ولعلني هنا اذكر ما قاله الحسين رحمه الله عند التوقيع على معاهدة وادي عربة؛ بأن الدولة ستلتزم باستحقاقات المعاهدة، لكن الناس احرار، فمن كانت قناعاته بعدم التطبيع فهذا حقه، ومن اراد التطبيع فليفعل، وهذا يعني اعطاء كل الاطراف والقوى السياسية حقها في ممارسة مواقفها وآرائها، اي ان اجتهاد الدولة نحو السلام، ليس امراً مقدساً، بل قرار رأت فيه مصلحة وطنية، ورأى معارضو التسوية ان المصلحة في غيره.
اسوق هذا المثال لنتفق على ان قضية مثل بيع اراضي حكومية ستبقى قضية خلافية، وسيكون من الطبيعي ان تبقى هناك اوساط سياسية وشعبية لا تتبنى فكرة بيع اراضي وممتلكات الدولة, اي ان الحديث ليس محرماً او مخالفاً للانتماء الوطني. فالحكومة قد تبيع اراضي وممتلكات لقناعاتها انها تفعل امراً يخدم الناس والاقتصاد، ومن يرفض فكرة البيع يفعل هذا لإيمانه ان البيع لا يحقق المصلحة العامة ويتعارض مع قناعاته السياسية. والحديث الملكي قدم مبررات الحكومة لفكرة البيع، لكن لا يجوز لأحد ان يحاول بالقول او الفعل تحويل اي رأي رافض لبيع ممتلكات الدولة الى قاعدة الانتماء ونقيضه. فالافتراق والخلاف حول تقدير المصلحة والخير للدولة وليس وفق ميزان بين الوطنية وعكسها.
ما سبق بمثابة بديهيات، لكن التأكيد عليها ضروري، لأننا قد نجد من يحاول فرض فهمه الخاص لحديث الملك, فمن الواضح من روح المقابلة والسياسة الملكية بصورة عامة أنّ الملك اراد ازالة اللبس وتوضيح الصورة، لكنه لا يصادر حق الناس والقوى السياسية والافراد في تبني اي موقف من القضايا المطروحة ما دام الرأي علمياً وفي سياق الحوار. وقد قام الملك بأكثر من خطوة تنافي الفهم الخاطئ لدى البعض، فشارك في مناقشة على موقع الزميلة "الدستور" مؤكداً على حرية الرأي, وقدم دعماً ومبادرة للتدريب والتأهيل الاعلامي.
حديث الملك حول القضايا الجدلية جاء لتوضيح الامور وتقديم المعلومات للناس، وليس لإضفاء القداسة على اي سياسات اقتصادية او غيره. والحديث الملكي لا يجوز ان يفهمه البعض على انه انتصار لطرف لأن ثمن هذا الفهم الخاطئ على حساب القانون الاردني المعروف: ان الملك لا ينتصر الا للدولة ومصلحتها.
sameeh.almaitah@alghad.jo
الغد.