المصطلحات بين الهواة والحُواة !
خيري منصور
16-02-2016 02:22 AM
شهد العالم العربي من تداول المصطلحات السياسية خلال السنوات الاخيرة ما لم يشهد مثيله الا في حروب الخليج الثلاث، ففي تلك الحروب كانت المصطلحات العسكرية واسماء الاسلحة ملقاة على الارصفة، وتحول حتى الاميون الى جنرالات وهم يرسمون بأصابعهم على التراب تحركات الجيوش، واذا كانت نهاية تلك الحروب قد باتت معروفة وليست بحاجة الى كشف فإن نتائج حروب الاخوة الاعداء خلال الاعوام الخمسة الاخيرة بحاجة الى كشف، بدءا من المصطلحات التي تداولها الهواة الى التنظيرات التي مارسها الحواة، فالمشهد كان وما يزال اقرب الى السيرك المفتوح على مدار الساعة بالمجان.
وحين نسمع من يتداولون مصطلحات من طراز الدولة المدنية والعلمانية وحتى الديموقراطية نشعر ان هناك خللا جذريا في المفاهيم، فالدولة المدنية ليست فقط الدولة غير العسكرية او الدّينية، ان لها أقانيم بدونها تصبح مجرد شعار صوتي اجوف كالطبل، ما ان يغرز فيه دبوس حتى يفرغ من الهواء ويصمت.
والدولة المدنية حصاد عوامل تتنامى وتتفاعل عبر التاريخ، وقد لا ينفع معها ما يسمى حرق المراحل، لأنها ثقافة ورؤية ولها نسيج مغاير لما عرفته المجتمعات العربية من أنسجة حتى الان، بحيث ان بعضها يعيش حقبة ما قبل الدولة!
واساءة فهم العلمانية حوّلها الى مجرد نقيض للدين، رغم انها مفهوم يمتزج فيه الاجتماعي والثقافي ونمط الانتاج الاقتصادي، اما الديموقراطية فهي ليست كما يتداولها الهواة الذين يجمعون المصطلحات كالطوابع او العملات، بحث يصبح من حق الطالب مثلا ان يفعل ما يشاء ويتمرد على معلميه ومدرسته لأنه ديموقراطي، او يمحو الفوضوي التاريخ بكل منجزاته كي يعود بنا الى الصّفر لأن الديموقراطية نبت شيطاني بلا جذر رغم ان عمرها الاف السنين والكلمة بحد ذاتها اغريقية لم تترجم الى لغة اخرى طيلة اكثر من خمسة وعشرين قرنا!
ان سوء التفاهم الناتج عن سجالاتنا سواء كانت في المقاهي او على الشاشات سببه الخلط بين المفاهيم ونزع المصطلحات من سياقاتها التاريخية والحضارية.
لهذا حبّذا لو تبادر مؤسسات ومراكز ابحاث وناشطون الى اصدار قواميس جيب تفض هذا الاشتباك !
الدستور