في الوظيفة السياسية لمجلس النواب
النائب الاسبق ريم القاسم
06-07-2008 03:00 AM
للعلْم هذه ليست المرة الأولى التي نضطر فيها رأس السلطات الثلاث سيدي صاحب الجلالة والولاية أن يتدخل بالذي هو من اختصاصنا ومسؤولياتنا نحن، أو بالذي يفترض أن يكون من يوميات واليات الحراك السياسي الداخلي الصحي والنشط.
في مرتين على الأقل، السابقة قبل سنتين والثانية الأسبوع الماضي، كان فضاء عمان الغربية يمتلئ ويفيض بكل شيء:
- أولا يمتلئ خيراً ويفيض بالثروة التي مظاهرها تُسعد الجميع، حتى وإن عَزلتْ الرفاهية بعض أهلها عن مواجع الحياة الصعبة في قرى الزرقاء القريبة والشوبك وعجلون والغور وبقية مثيلاتها في المناطق النائية.
- وثانياً كان فضاء عمان الغربية في المرتين يمتلئ ويفيض بالشائعات والنميمة والحسد الذي حذرت التعاليم السماوية السمحاء منها إذ تتحول الى شهوة بزوال النعمة عن الناجحين أو باغتيالهم سياسياً واجتماعياً.
- وثالثاً كان هذا الفضاء في المرتين يمتلئ برسائل سياسية تتجاوز الخطوط الحمر وتجرح هيبة مؤسسات الدولة، ويفيض بتصنيفات ملفوفة بشعارات وعناوين سميكة من مخلفات الحرب الباردة وعهود احتكار الوطنية والحكمة.
مثل هذه الرسائل والإشارات والتصنيفات لا تلبث في العادة أن تتحرش وتخاطب شارعاً مرهقاً بالضغوط المعاشية وطالما تعمقت فيه الفجوة بين الناس وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
في المرتين اضطر سيدنا ان يتدخل ليعيد الامور الى حجمها الطبيعي. فنحن لم نصنع او بالاحرى لم نطور الماكنات السياسية والإعلامية التي تستوعب وتنقّي الصخب الجارح الذي تشهد مثله كل دول العالم الديمقراطية لكن الفرق هو ان لديهم المؤسسات والآليات التي تتحمل مسؤولياتها طوعاً وبشكل يومي. اما عندنا فإن الامور تتفاقم احيانا لتصل حد الانفلات الذي لا نحتمل رفاهيته عندما تعجز السلطات الأربع- التشريعية والتنفيذية والإعلامية والمجتمع المدني- أن تقوم بالذي يفترض أن تضطلع به.
- الفارق الزمني قصير في المرتين والعناوين متشابهة. وحتى نتلافى مرة ثالثة ورابعة يضطر فيها رأس السلطات الثلاث أن يتدخل بالتفاصيل التي هي من مسؤوليتنا نحن، فأنني أسجل هنا علامتي استفهام ليس لدي جواب عليهما لكنهما تستحقان النقاش الواسع كما اعتقد:
الأولى – لماذا تبقى ماكنة تفريخ الأجيال القيادية عندنا عقيمة أو بطيئة جداً ؟! ففي كل بلدان العالم هناك مؤسسات وطنية وظيفتها أن تربي وترعى الأجيال القيادية المتعاقبة في كل المجالات.. تُربّيها بالطاقات والعقول والطموحات المشروعة، وتجدد دماءها بالكفاءة والموثوقية والأحلام والإبداع. مثل هذا العمل المؤسسي يثري الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وبالتأكيد يلغي احتكار البعض احتكارا طويل الأمد للسلطة المعنوية وهو الذي يولد فنون تكسير أرجل الجيل الجديد قبل أن يقف على قدميه.
- علامة الاستفهام الثانية من موقعي كنائب، حيث لا أتردد في طرح السؤال عن مبررات ما يصفه البعض بأنه عقم سياسي في المؤسسة التشريعية الرقابية. سؤال يحركه طموح برؤية مجلس النواب – بكل ما فيه من كفاءات - يأخذ مكانه ودوره المفترض في تعبئة فراغات العمل السياسي المحلي الذي يشكو من حالة تثاؤب مزمنة.
ففي غياب الحياة الحزبية الصحية، ومع الحديث الخلافي عن الوظيفة السياسية للنقابات، وفي ضوء الهزال الفاجع للمجتمع المدني، فإن بإمكان مجلس النواب – كمؤسسة أو كتل أو لجان أو أفراد – أن يجتهدوا في الارتياد السياسي المحلي ويُخطئوا ويصيبوا. المهم أن يجتهدوا وأن تتحمل هذه السلطة مسؤوليتها المفترضة في إدامة تحريك المياه السياسية لإبقائها مياه جارية طهورة ولتنقيتها من الأسن الذي يصيبها عندما تظل راكدة.
في المرتين، قبل عامين ثم الأسبوع الماضي، اضطررنا سيدي صاحب الجلالة أن يتدخل بالذي يفترض أن يكون مسؤوليتنا نحن، أفراداً ومؤسسات. هذا الوضع قطعاً لا يرضي أحداً ولا يقرأ في حجم المشاكل والصعاب التي تنتظرنا وأولها المشاكل المعاشية بعد ان دخل العالم مرحلة انفلات الاسعار والغلاء المستورد طويل الأمد و بدأ يتحدث عن أسعار نفط يمكن أن تصل الى 250 دولار للبرميل قبل نهاية العام الحالي، بكل ما سيترتب على ذلك من تحديات تستلزم استنطاق عبقرية الانتاج والكفاية والاستقرار.
نحتاج الى تغيير حقيقي في النمط الذهني نكفّ فيه عن طقوس الشكوى بمبرر او بدون مبرر. هذا يقتضي إرادة حقيقية بالإنتاج تفوق طاقتنا على الكلام. ومع الإرادة، نحتاج مخيّلة مبدعة في ترجمة الأحلام وسقياها حتى لا تذبل. فالبلد بخير لكن المشكلة في الشيخوخة المبكرة أو في العقم الذي يصيب النخب فيجعلها تأكل بعضها وهي حية. ورحم الله الشاعر عمرو بن أهتم السعدي يوم قال قبل أكثر من ألف سنة واصفاً أحوال اليوم:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيق