في آخر مشهد من آخر حلقة في مسلسل «الرعب السوري» لا يزال أطراف المشكلة الخارجية من القوى العظمى يتجادلون حول محاولة إنهاء الصراع الدموي في سوريا ووضع خطط لفكفكة طاحونة الحرب، وفي آخر النهار يذهب الجميع الى غرفهم الدافئة ليناموا ملء جفونهم بعد وجبة عشاء شهية، بينما لا يزال الشعب السوري بين قتيل ومشرد أو محارب ومدافع، ضمن طوائف وألوية مسلحة استمرأت سفك الدماء وتدمير بنية الدولة، ونسي الجميع أن نظام الأسد جاء نتيجة إنقلاب عسكري حكم حتى اليوم خمس وأربعين عاما.
في تونس لم يذق الشعب أي حلاوة موعودة بالتغيير نحو الأفضل كما كانوا يعتقدون بعد خروجهم في سوق الخضار ليفجروا « ربيع الوهم العربي»، فالذكرى الخامسة للثورة الأولى في ربيع العرب القاحل عاد المواطن ليحرق نفسه، ويتظاهر ضباط الأمن، وتتراجع السياحة وتتفاقم البطالة، وذلك دلالة على فشل الثورة في تحقيق أحلام المواطنين، ولا تزال التحديات أمام الحكومة التونسية والشعب بشكل عام كبيرة ومعقدة وعلى رأس المشاكل هناك الهاجس الأمني الذي افتقدته تونس بعد حكم بن علي.
مصر وبعد خمس سنوات من ثورة 25 «يناير» لم يتغير الحال كثيرا عن عهد الرئيس حسني مبارك، وتبددت أحلام المظلومين والصابرين سنين طويلة ينتظرون تحسن أحوالهم، ، فيما ليبيا آلت الأمور فيها الى شتات سياسي وعودة الى عصر القبيلة رغم كل أدوات التجميل السياسي الذي تحاول كافة الأطراف تزيين الواقع به
العراق حيث أُحتلت البلاد سابقا وأسقط النظام وأعدم الرئيس وطورد نصف الشعب من السنة، حتى السيطرة الإيرانية على ساحته السياسية والأمنية، جاء نظام حكم لا يختلف عن نظام البعث لتتبدل الأسماء وتبقى أدوات القمع والقتل والتشريد كما هي مع استبدال فئة المستهدفين وهوياتهم الدينية، وهذا فشل أيضا في إحدى أدوات تغيير الأنظمة والتي كانت فاتحة تحريض على التغيير في العالم العربي من قبل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.
اليمن لم يعد سعيدا ولن يعود، بعد أن احتلت طائفة الحوثيين وتآمر الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وحشده لقوات كبيرة من كتائب الجيش الموالية له للسيطرة مجددا على الأراضي اليمنية وإعادة الشعب الثائر الى حظيرة الطاعة،وفي سبيل ذلك لم يأل صالح ولا الحوثي أي جهد ولا سبيل لتحقيق مآربهم فطلبوا النجدة من إيران وسمحوا لها بفتح جسر جوي لتتدخل في صراع داخلي، ولم يلتفت أحد الى أن ذلك خيانة عظمى أيضا.
النتيجة النهائية التي قد يصل إليها المتفكر بأحوال العرب ودولهم وأنظمتهم السياسية وقياداتهم وعقلياتها والعقيدة التي تحكم الرؤساء الذين حكموا بلا سند قانوني ولا تاريخ عائلي في الحكم، يصل الى نتيجة مفادها أن لا فائدة من أي ثورة عربية شعبية ضد أي نظام قائم حاكم بسلطة الجيش والمخابرات العسكرية، فحتى في ظل سقوط أي من الرؤساء كما حدث مع بن علي ثم مبارك والقذافي وصالح، فإن هناك من يقوم بإعادة الإلتفاف على الثورة لإحباطها وتنفيس غضب الشعب مؤقتا، وذلك لتمكين الغرف السوداء لإعادة بناء هيكلية حكم جديدة غير ما يحلم به الشعب، أو إذا لم يستطيعوا فإنهم يدعمون إحراق البلاد بما عليها لدفع الشعب الى اليأس.
هذا كله يسترعي انتباه صاحب العقل الذي يحاول فهم ما جرى وما يجري لأمة العرب، ليخلص بنتيجة مفادها أن الحل القديم لتغيير الأنظمة الرئاسية الفاشية بأقل الخسائر في عالمنا العربي هي الانقلابات العسكرية، فقد يقتل الرئيس أو يعزل ويحاكم، ثم يأتي بعده نظام حاكم جديد ليشكل حكومات جديدة ويفرض قوانين جديدة في أفضل الأحوال، دون أي نجاح لتغيير المستقبل.
هذا ما تربت عليه الشعوب العربية منذ رحيل الاستعمار، فليس هناك من بلد ذكرناه سابقا لم يقع ضحية للانقلابات، فالموت السريع للرئيس ونظامه يبقى أفضل بكثير من ثورات تحرق البلاد وتقتل العباد ثم لا يحصد الناس سوى اليأس واللجوء والقتل والتشريد والمطاردة من أعداء الداخل والخارج، ومع هذا فلا أمل قريبا بأي تغيير في عقليات وتفكير شعوبنا.
تبقى النصيحة لنا داخل الأردن في النهاية هي المثل المصري "خراب يا دنيا، عَمار يا راسي" فما الذي نجنيه في النهاية من حلول خارجية ونحن في أزمتنا غارقون؟
Royal430@hotmail.com
الرأي