يحكى انه في إحدى الدول البعيدة ،أعجب المواطنون هناك بما يسمعون عن التنميةالسياسية وما يمكن إن توفره لهم ولأبنائهم من أساليب ووسائل ديمقراطية لممارسة الحياة ،وكيفية مساهمتها في رفاههم وتمكينهم من إدارة شؤونهم بأنفسهم حيث يتم كل ذلك من قبل مجالس واتحادات وهيئات كلها تصل مواقعها من خلال انتخابات مباشرة حره ونزيهه . تصادف ذلك مع توجه حكومي في الأخذ بأسباب التنمية السياسية والتي من أهم أركانها الديمقراطية فاستحدت وزارة جديدة للتنمية السياسية وأخذ الوزير يجوب البلاد، طولا وعرضا مبشرا بالنهج الجديد مستمعا حينا ومحاضرا أحيانا أخرى.دخلت الديمقراطية بسرعة مذهلة الى كل المواقع الرسمية وغي الرسمية وحتى البيوت حيث بدأت بعض السيدات بالمطالبة بالمساواة التامة مع الرجل حتى في موضوع الحمل والولادة بعد أن حصلت على المساواة في إدارة شؤون المنزل وأصبح اختيار نوع الطبخة يتم بالتصويت من قبل جميع أفراد العائلة. وفي الجامعات أصبح لكافة الأحزاب مكاتب رسمية على نفقة عمادات شؤون الطلبة وتشكلت الاتحادات والجمعيات الطلابية وأصبح للطلبة حق التصويت على مناهج المواد التي سيدرسونها وكذلك حق أختيار أعضاء الهيئة التدريسية وحصل ان قام طلبة أحدى الكليات بالاضراب عن الدراسة لحين موافقة الجامعة على تنزيل علامة النجاح في كافة المواد الى 30% بدلا من 50% وكان لهم ذلك بعد ان تم تصويت كافة طلبة الجامعة على ذلك القرار بكل ديمقراطية ونزاهه.
وفي مجال الحريات العامة والإعلام تركت الحكومة الحبل على الغارب التزاما بحرية الرأي والتعبير متيحة المجال للمواطنين للإدلاء بآرائهم في كافة المواضيع فأصبح اعتلاء منبر المسجد متاحا لمن يصله أولا وله اختيار ما يحلو له من الدروس والعضات وألغيت قوانين الاجتماعات العامة وسمح بكافة المسيرات والمظاهرات وانحصر دور الحكومة في تعويض المتضررين جراء ذلك في الارواح والممتلكات .
أما الصحافة فأبدعت بنشر كل ما يصلها من مقالات تشتم أو تمجد قيادات وهيئات الدول البعيدة والمجاورة والعدوة والصديقة وأصبح دور وزارة الخارجية والسفارات متابعة نتائج ذلك لأخذ العطوات وعقد الصلحات خاصة مع تلك الدول التي تقدم للحكومة منحا ومساعدات .
في إحدى جلسات مجلس الوزراء جهد معالي الوزير (وزير التنمية ما غيرها ) في سرد وشرح ما قام به من جهود خلال مئات المحاضرات والندوات في شتى المكاتب والقاعات مشددا على التمسك بالديموقراطية في كافة القرارات ، وبينما كان أصحاب المعالي غارقون بمتابعة ما يقوله الوزير فإذا بلسانه يبدأ بالتثاقل وتقطر لحيته من شدة التعرق ويتسلل الشحوب إلى وجهه النضر،فأسرع بأتجاهه أحد الوزراء الحاضرين والذي كان بالمصادفة طبيبا مشهورا قبل تعيينه وزيرا للأشغال العامة فتصدى له أحد الزملاء الوزراء مطالبا بتطبيق الديمقراطية والتصويت للإتفاق على اختيار الإجراء المناسب لإسعاف وزير التنمية وأيده كافة الحضور فاقترح أحدهم نقلة إلى المستشفى فورا واقترح آخر عدم تحريكه من مكانه واستدعاء الطبيب لمكان الجلسة وبينما الجميع منشغلون بالتصويت على المقترحات سبقهم عزرائيل وتولى أمر معالي الوزير .
بعد كل ما تقدم وغيره الكثير اكتشف أهل تلك الدولة البعيدة أن للديمقراطية أصولا وقواعد لا بد من الإحتكام إليها، وأن ممارسة الديمقراطية مسؤولية وطنية يؤتمن عليها المواطن كما المسؤول ضمانا لمستقبل الوطن والأبناء وأن الحاجة ماسة للمزيد من الوعي وأن هنالك فرقا شاسعا بين الديمقراطية والتمرد على القوانين والأنفلات .
mustafawaked@hotmail.com