المُتَشرّد!جهاد جبارة
11-02-2016 03:13 PM
زمان، ولما كانت الطُرُق ترابية لم يطأها «الإسفلتُ» بعد، وزمان حين كانت الغيمات أكثر كرما مُواصلة سكب حمولتها من عذب الماء، مُبقية الشمس في سجنها الرماديّ الباهت طُوال كوانين ولا تسمح لها في الخروج من زنزانتها سوى لبضعة ساعات في الأسبوع، كانت بيوت البلدات الصغيرة، والقرى النائية تكاد تكون جُزرا تُحيطها سيول الطين، والحصى، تتخلّلها بُحيرات راكدة تُشبه ألواحا من «الشوكولاتة» ألمحشوّة بحبات البُندق عندما كانت تجِف بفعل نسمات الصقيع التي تمر لتلامس سطوحها ليلا، لتبدو في الصباح وكأنها خلف خزانة لعرض الحَلوى لأن طبقة الجليد الرقيقة التي كانت تُغطيها تكاد تُشابه الزجاج النظيف، النقيّ. زمان، كانت المزاريب قطعا من تَنك التمر السخيّ بحلاوته، كانت تُحنى بلا عناية بيد بنّاء الطين ليغرسها على أطراف السقوف اللينة بشكل مائل يسمح لماء المطر أن ينحدر ليمضي في سبيله نحو دالية عتيقة تنتظر الصيف لتحبل بعناقيد العنب. وزمان، وما أن تبلغ حبات العنب، بنات العناقيد سن البلوغ حتى تُساق لتُذبح وتُصفّى دماءها لتغلي في قدور التعذيب فوق نار الحطب لتصير دِبسا يُطلى على وجوه أرغفة الشتاء القادم، أو لتُنشر بنات العناقيد على أسطح الطين كي تغدو في خريف أيامها، وأيام الخريف زَبيبا ليّنا يسهل على كهول سُمّار الشتاء ذوي الأسنان المتساقطة مضغه فلا يتألمون، ولا تتألم الزبيبات التي دخلت خريف العمر. زمان، تنبّه طائر دوري لحبّات الزبيب فذاقها، فطابت له حلاوتها، فقرّر أن يسكن المكان ولم يجد في ذلك الخريف سوى المزراب ليبني عليه عُشّه! عاد الشتاء، فأودت أمطاره بالطرقات وكذلك بعُش الدوري الذي صار فيما بعد مُتشرّدا!
|
أعدتنا للزمن الصادق الجميل يا صقر الصحراء.
أبدعت كالعادةاستاذ جهاد
الله الله استاذ جهاد لقد أبدعت الوصف والتشخيص والقول الحكيم ياصاحب الرأي السديد والقول الحكيم. ....كلمات اعادتنا إلى تاريخ الآباء والأجداد بصورة فنية جميلة عز نظيرها .
بوركت أيها الكاتب المبدع المتألق فهذا الوصف ينطبق والله على ذكرياتنا الجميلة وبلداتنا العريقة.
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة