هل سنقاتل على الارض السورية؟
10-02-2016 12:21 PM
قبل شهور طويلة ظهرت حكاية التدخل البري العسكري الاردني في سوريا، وصدرت مواقف مختلفة وانتهت الحكاية بان الامر لم يكن اكثر من تحليلات واحتمالات في سماء الأزمة السورية لان الدخول الى الارض السورية برياً ليس أمرا سهلا، والاهم ان الموقف الاردني ارتكز على عدة ثوابت منها عدم الانغماس ما أمكن في الأزمة السورية، وان بوصلة كل التحرك الاردني هي المصلحة الأردنية وضمان استقرار وأمن الدولة الأردنية وحمايتها من تداعيات هذه الأزمة.
واليوم يعود الحديث عن التدخل البري العسكري بعدما أعلنت السعودية الشقيقة استعدادها للمشاركة في عمل عسكري بري في سوريا ضد داعش واخواتها، وتزامن هذا التصريح مع بدء تدريبات مشتركة اردنية وسعودية على الارض السعودية، وأصبح الحديث في الأوساط الأردنية عن تدخل عسكري أردني بري في سوريا ضد داعش.
وحتى رئىيس الوزراء فانه عندما اجاب عن سؤْال حول هذا الامر قبل ايام قدم اجابة اعتبرها البعض غير مفهومة، لكن تحليل الاجابة تجدها اجابة من لا يعرف، وليست اجابة تحافظ على اسرار وتفاصيل عسكرية، ولعل هذه الاجابة ابقت الباب مفتوحا مع ان الاْردن لم يصدر اي موقف حقيقي ومطلع ومن أعلن الاستعداد هم الاشقاء في السعودية والإمارات.
وللتعامل مع هذه القضية ربما نحتاج للتوقف عند الأمور التالية:-
١- نتذكر في فترة أسر الشهيد معاذ الكساسبة ان فكرة التدخل البري عندما كان يتحدث بها البعض كانت تواجه بعقبات فنية وعسكرية كبيرة سواء كانت انزالا جويا او تدخلا من انواع اخرى، وهذا المنطق العسكري مازال قائما حتى اليوم.
٢- ان استعداد السعودية للمشاركة في عمل بري ضد داعش لا يعني قرارا بإعلان الحرب. فالسعودية تريد حربا برية بقيادة امريكا، وتريد ان تكون طرفا من تحالف واسع، فالسعودية المنهمكة في الحرب على الحوثيين في اليمن تعلم ما معنى شن حرب برية داخل الاراضي السورية.
٣- ان الاستعداد لشن حرب برية على داعش في معقلها الأهم في الرقة يحتاج الى عده شهور من الحشد والاستعداد. فحرب التحالف الدولي ضد الجيش العراقي في الكويت عام ١٩٩١احتاجت الى حشد واستعداد استغرق عده شهور،علما بان الحشد كان يتم على ارض سعودية كانت قاعده الانطلاق وهناك ارض تقدم كل الخدمات اللوجستية والإمداد. وكانت حربا ضد جيش نظامي وليس عصابة وحرب مدن وتنظيمات.
اما اليوم فان اي حرب برية على داعش في سوريا تحتاج الى ارض ومعسكرات تتمركز فيها القوات البرية والاسلحه المستخدمة من مدفعيه ودبابات وايضاً خطوط إمداد للتموين والذخيرة وغيرها من متطلبات الحرب البرية حتى وان كانت حرب عمليات خاصة، فهل ستكون من داخل الارض التركية، علما بانه لا يوجد اي منطقة عازلة داخل الارض السورية من اي منطقة حدودية وبخاصة تركيا.كما ان الجيش الحكومي السوري اصبح اليوم على بعد حوالي عشرين كم فقط من الحدود التركية بعدما استعاد مناطق واسعه من حلب وريفها،اي ان الدخول من الحدود التركية وغيرها يعني مواجهه الجيش الحكومي اولا.
٤- ان نجاح تدخل بري عسكري يحتاج وفقا للشرط السعودي الى قيادة امريكا، فهل من الممكن ان يغير اوباما سياسته تجاه الأزمة السورية في شهور حكمه الاخيرة ويقوم بتدخل عسكري بري وهو الذي يرفض الدخول في حرب جديده !! علما بان هذا النهج كان جزءا أساسيا من برنامج اوباما وحزبه في الانتخابات الماضية بعد تجربتي الحرب في العراق وافغانستان.
٥- ولو افترضنا ان تحالفا قام وقرر القيام بهذا التدخل فانه سيكون خليطا غير متجانس من القوات العسكرية من حيث القدرات والتدريب والامكانات، الا اذا كان من سيقاتل طرف وحيد أساسي وبقية القوات تشارك لأسباب سياسية، فمن هي الدولة التي ستحمل هذا العبء، علما بان حرب الخليج عام ١٩٩١ كانت القوات الامريكية هي العمود الفقري للقوات. ومن هي الدولة التي ستقرر ان تحمل جيشها عبء حرب مع عصابات لفترة غير معلومة حتى وان توافر لها الدعم المالي.
٦- ان حربا برية داخل الاراضي السورية يجب ان تتم بغطاء سياسي بين الدول المقاتلة وروسيا وإيران وحتى النظام السوري، فأي اتفاق سياسي سيتم وما هي بنوده وتفاصيله، لان غياب مثل هذا الاتفاق سيفتح الأبواب على القوات التي ستدخل مسافات بعيدة داخل الاراضي السورية لتدخل في معارك اخرى مع قوات النظام ومن معها وهذا يعني ظهور حرب جديده، وربما حرب استنزاف داخل بعض المدن، فوجود داعش وان كان في معقلها في الرقة الا ان الوجود ممتد في مناطق عديدة. اضافه الى وجود داعش في الموصل العراقية التي ليست بعيده عن الرقة السورية.
ولابد من الاشارة الى ان دخول قوات خليجية ومن دول عربية اخرى الى سوريا يعني فتح ساحة اخرى للصراع مع ايران التي تملك في سوريا قواتا من حرسها الثوري وميليشيات تتبعها لحزب الله وغيره، ولن يكون غريبا ان نشهد تحالفا بين ايران واتباعها وداعش واخواتها لاستنزاف الجيوش التي ستدخل وبخاصة التي تتبع لدول تحارب ايران في ساحات اخرى.
٧- ماذا عن خطوط الامداد للجيوش التي ستدخل في عمق سوريا، وكيف يمكن تأمين جيوش بالاسلحة والذخيرة والتموين في ظل حرب عصابات، وفي ظل توغل هذه الجيوش داخل سوريا ولمسافات بعيدة حيث معاقل داعش فكيف ستصل للجيوش البرية ما تحتاجه وهو كثير ولمدة قد تطول.
- وإذا كانت هذه الجيوش ستتجاوز كل هذه العقبات فكم هي المدة الزمنية التي ستحتاجها العمليات العسكرية البرية، فالزمن عامل هام لان الجيوش البرية لا يمكنها البقاء شهورا طويلة ولا يمكنها الحفاظ على تماسك القرار السياسي للمشاركة طويلا، ولا يمكنها ايضا ان تترك للعدو استدراجها الى حرب استنزاف طويلة الامد.
٩- وإذا ما تحقق النصر على عصابه داعش فهل ستخرج هذه القوات البرية ولمن ستسلم الارض المحررة، هل لقوات النظام ام للمعارضة المعتدلة صاحبة الحضور العسكري المتواضع والضعيف! ام ستبقى داخل الارض السورية في مواجهة القوى الاخرى الموجودة، وما هو الدور السياسي الذي ستقوم به بعد ذلك، وهل يمكنها مواجهة حرب عصابات من اي طرف سواء كان فلول داعش او جهات اخرى معادية موجودة على الارض السورية !!
ما سبق تساؤلات عامة ليست متخصصة عسكريا، لكن فكرة التدخل البري داخل العمق السوري حتى وان كان لحرب داعش واخواتها، تواجه عقبات كبرى..
وبالنسبه لنا في الاْردن فإننا على ثقة ان الحكمة الأردنية التي اتسمت بها حركة القرار الاردني خلال السنوات الاخيرة قادرة على ان تذهب بالاتجاه السليم، وان تبقى البوصلة باتجاه مصلحة الاْردن وأمنه والحفاظ على جيشه قويا بعيدا عن الاستنزاف، فالموقف الاردني الذي ربما لم يعجب بعض الاشقاء الا انه في النهاية كان في مصلحة الاْردن والاردنيين، فاستنزاف المؤسسات السيادية في الدول وزجها في معارك طويلة الامد او خارج إطار المصلحه المباشرة يدخلها في دوامة التفكيك والضعف المنهجي. فضلا عن اننا نواجه منذ سنوات مهمة كبرى وجليلة تقوم بها القوات المسلحة بكل كفاءة وهي حماية الحدود من الاٍرهاب وإفرازات الحرب المجنونة في الإقليم.
متى سندخل بريا الى سوريا.. سوؤال لا يختلف عن السؤال الذي كان البعض يطرحه عندما احتلت داعش الموصل: متى ستأتينا داعش؟، لكن بفضل الله تعالى ودون مراهقة او استنزاف للعقل والحكمة الأردنية حافظنا على امننا وكان الاْردن في مقدمه دول العالم في بذل الجهد السياسي والامني والعسكري في الحرب على الاٍرهاب.
عندما سمحت دول للفوضى ان تدخل سوريا دخلت معها تنظيمات التطرّف والارهاب، وسوريا لا تحتاج الى مزيد من الحروب بل الى مزيد من الجهد والحلول السياسية التي ستقضي على مقومات وجود عصابات الاٍرهاب والتطرف.