أريد أن أتكلم اليوم عن خدش الزهور,,وجرح الفراش..واعتقال الرغبات الانثوية,,ضممن سجن التقاليد الذكورية والسلطات المجتمعية..اريد أن اتحدث عن كل تلك الأحلام التي تصادر والمشاعر التي يستهزء بها..والعبرات التي تقتل في المحاجر..بي رغبة بأن أتكلم عن البيوت التي لايدخلها هواء..ولايسمع فيها سوى صدى الاوامر..ووقع التهديدات..وعن أعشاش الزوجية التي غدت معتقلات..وخلت من الرحمة والحب..
أريد أن اتكلم عن وأد المطالب الصادرة من شفاه نسائية ..وكبت الاماني الملتصقة بقلوب هشة..وتجاهل المشاعر غير المعلنة..
أريد أن أتكلم عن تيار الأذى الموجه ضد قواريرنا..و تلك الاجزاء الرقيقة من قلوبنا..وعن العنف..العنف الواقع ضد المرأة..
ان أشكال العنف والتزمت الموجهة ضد المراة في بعض الأجزاء من مجتمعاتنا العربية باتت توجع القلوب..واضحى من غير الممكن ان نستمر في تجاهل تأثيراتها المدمرة على مجتمعاتنا..الصغيرةو والكبيرة..وعلى بيوتنا واماكن عملنا وتجمعاتنا ..وأنفسنا...
ان جميع التقارير التي تصدر عن الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان وغيرها من المصادر المعنية بهذا الشان تدق أجراس الانذار منبهة استشراء هذه الظاهرة في بلداننا ومحملة ايانا أفرادا ومؤسسات مسؤولية الظلم المتصاعد على زوجاتنا وبناتنا وزميلاتنا وأي من معارفنا الاناث..
ورغم أنني لست مولعة بالأرقام، الا أنني اود ان اعرض بعض الحقائق،و التي وردت في تقارير منظمة الصحة العالمية والامم المتحدة من باب التذكير فقط، فلا بد أن ان الكثير من قد مر بها دون ان يحدق في الكلمات جيدا..
• كشفت الدراسات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية على مجموعة من الدول المختلفة أن نسبة انتشار العنف البدني الذي يرتكبه شريك حميم في أي وقت من حياة المرأة يتراوح بين 13 في المائة و 61 في المائة. كما بينت دراسات وأد البنات في أستراليا، وإسرائيل، وجنوب أفريقيا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، أن ما يتراوح بين 40 و 70 في المائة من النساء اللائي قُتلن، قُتلن بأيدي أزواجهن أو أصدقائهن.
• أكثر من 60 مليون أنثى محرومات من الحياة اليوم بسبب عمليات الإجهاض ووأد البنات.
• 20- 50% من النساء في الدول العربية قد تعرضن للضرب من قبل الزوج، و52% من النساء الفلسطينيات من غزة والضفة الغربية تعرضن للضرب على الأقل مرة واحدة في العام 2000، و23% منهن تعرضن للدفع والركل والإيقاع، 33% للصفع 16% للضرب بعصا أو حزام 9% هوجمن بأداة حادة من قبل أزواجهن وبيَّنت 9% أنهن تعرضن للعنف النفسي و 52% تعرضن للإهانة والسباب واللغة البذيئة وتسميتهن بأسماء مهينة من قبل أزواجهن، ويصل الأمر إلى حد الأزمة والتي تتطلّب علاجاً جسدياً أو نفسياً كما قالت عينة واسعة من النساء الأمريكيات 22-35% منهن قلن بأنهنَّ قد ذهبن لأقسام الطوارئ في المستشفيات نتيجة العنف المنزلي.
• لايقف العنف فقط عند التهديد البدني والجسدي المباشر، حيث أشارت العديد من الدراسات على ممارسة العنف النفسي والعاطفي ضد المرأة في أماكن كثيرة من العالم، حيث وجدت دراسة منظمة الصحة العالمية المتعددة البلدان أن ما يتراوح بين 20 في المائة و 75 في المائة من النساء تعرضن لواحد أو أكثر من أعمال الإساءة العاطفية.
لن اكمل.. فالسلسلة طويلة ,, ومحزنة ,,ولن يتسع المجال لعرضها هنا ولست هنا بمعرض الحديث عن العنف الجسدي، فأي رجل يرفع يده ليمدها على امرأة ،بغض النظر عن الدوافع (التي لابد ان تكون مقنعة في ظل موروثاتنا القبلية) لن يقف طويلا عند كلماتي ليتأملها، فلا بد انه حتما يعتبر أن مجرد تجرأي على الاعنراض على مد سلطاته الذكورية ضرب من التمرد اللامحمود ...لكنني هنا أود ان أشير الى العنف النفسي والمعنوي، والذي هو أشد من اي حالة اعتداء جسدي ..فكلمة جارحة واحدة قد تصيب مقتلا أكثر من صفعة وركلة..
والغريب في الأمر، أننا لانولي هذا الجانب الاهتمام الذي يستحقه...فنحن قد نهرع لاسعاف رضة ونزيف و اجهاض,,لكن تجاربنا لاسئصال الوجع الذي قد تولده عبارة لا يكون عادة بهذ الحماس أو هذه السرعة، رغم أن الأثر الذي قد يتركه التدمير المعنوي هو في الغالب دائم ومقيم..والعنف النفسي قد يتجاوز شكله اللفظي ليمتد الى محاولات التلاعب العاطفي،و سلب الحرية والتهديد بالحرمان من احدى الحقوق، والخيانة المعلنة والمستترة والاحتقار والاستهزاء الدائم والتقليل من شأن الآخر والذي يعتبر اللعبة المفضلة لدى الكثير من رجالنا المهزوين ، الغير قادرين على التصالح مع ذواتهم والتعامل مع الطرف الآخر من المعادلة برقي...أولئك الأزواج والآباء الذين يرون في ضعف زوجاتهن وانكسار بناتهن دليل صارخ على رجولتهم، في مجتمع يغلق عينيه جيدا عن مثل هذه الممارسات..في مجتمع يتذرع بالعادات وبالأعراف وبالتاريخ المشوه ليبرر صفاقة توجهاته وضعف منطقه..في مجتمع يبجل السلطة الأبوية والأخوية الذكورية المتسلطة و يحلل العنف المسلط ضد المراة ليصبح سلوكا يوميا وأسلوب حياة اعتيادي ومقبول ضمن الأطر الاجتماعية المعززة..فكم منا من لم يستمع ويردد مقولة ان وجود اب عنيف وأخ مستعرض لقواه في غير موضعها لهو افضل بكثير من عدمه..وان كان هذا يعني حياة بلاروح..ومنزلا بلا نوافذ مشرعة..
والأمر الذي يجعل قلبي يحترق هو اندفاع بعض الفتيات الى القبول بأي طارق على الابواب للهروب من التسلط الأسري والكبت الذي يطوق أعناقهن ، دون ان يدركن ان اندفاعهن في الأغلب يفقدهن شروط الرؤية الصحيحة ويفضي بهن أحيانا الى دوائر أصغر وأكثر احكاما...فمن تسلط الاب والاخوة الذكور الى جبروت الزوج وأحكامه العرفية..وقد ينتهي بهن الأمر الى حمل لقب مطلقات ان لم يتمكن من تجرع الظلم الواقع عليهن وانتفضن,,وفي الحال هذه ، فهن سيجدن انفسهن أسيرات ظروف قد تكون اكثر سوءا وايلاما..فمجتمعنا يحمل المرأة وحدها مسؤولية انجاح الزواج واستمرارية المؤسسة،ولو على حساب كرامتها وعنفوانها الأنثوي..وان اختارت هذه الدرب فهي لاشك عائدة الى منزل الاسرة من جديد..بلقب جديد..ومساحة حرية أكثر انكماشا وأشد بؤسا..
ولا انكر هنا أن الموروثات الشعبية وأمثال الجدات والضغوط الاجتماعية تلعب دورها ايضا، فهي ترسخ في أذهان الناشئات من بناتنا ان الاثبات الحقيقي لأنوثتها يعتمد على مهارتها في الاحتفاظ برجل، وأن هدفها الأسمى لا بد أن يتمحور حول اعتقال أحدهم باسم الزواج، دون أن تدرك ، في بعض الأحيان أنها قد غدت المعتقلة..
ومن الأسباب الاخرى التي تدفع المرأة، في أي مكان لتحمل نمط حياة مهين، هو انعدام قدرتها الاقتصادية، فجميع الدراسات تظهر ان المرأة المتعلمة والمستقلة اقتصاديا تكون أكثر شجاعة في اتخاذ قرار الانفصال وأقل ترددا فيما يتعلق بالبقاء في منزل الزوجية ، وان كانت اما، من نظيراتها اللواتي ينحنين للسوط المسلط على رقابهن خوفا من فقدان لقمة العيش أو خشيتهن على مستقبل أطفالهن..في مجتمع ينظر للام العزباء، في أحسن الاحوال بعين الشفقة، مجتمع ذكوري بامتياز... مجتمع يتمتم في السر أنها لو كانت زوجة جيدة لما انتهى بها الأمر الى الطلاق..ولكانت قد استمرت في اداء دورها ببراعة...مجتمع متواطئ يجرم الضحية ويبرأ الجاني..
حسنا...
ان مجتمعا كهذا، يعد استخدام الرجل لكلمات رقيقة أثناء مخاطبته لزوجته او زميلته او ابنته نوعا من الرفاهية ، ويعد احترامه لارائهن وان اختلفت عن قناعاته انتقاصا من رجولته..ويدين اي محاولات للتعامل مع الجنس الآخر بالمعايير ذانها التي يعامل فيها الذكور ضريبة غالية...لابد أن يدفع الثمن.
وها نحن ندفعه..غاليا, متمثلا في ازدياد حالات الانتحار في الدول العربية، وخصوصا بين الاناث، وتفشي الجرائم المرتكزة على الادمان و تعاطي المخدرات والانفلات التام وانتشار الزواج العرفي و الاطفال غير الشرعيين وغيرها من الظواهر السلبية التي من الممكن امتصاصها بقليل من الحوار المتمدن، والاستماع الفعال والاعتراف باحقية المرأة في التعبير عن رأيها وحقها في الدراسة والعمل حريتها في اختيار شريك حياتها ومساعدتها على تجاوز جميع الازمات النفسية التي قد يولدها احتكاكها بنماذج متسلطة او عنيفة ..
ان المراة اينما كانت ..ثمرة الحياة ولب المجتمع، وبصلاحها ينصلح حال الاجيال التي لم تأت بعد، فهي التي تربي وتنشئ، وهي المؤثر الأساسي في حياة الاطفال في سنواتهم الأولى,, ما النموذج الذي سيتولد من أم مقموعة ومهانة..؟ وكيف سيتعامل مثا هذا النشئ مع زوجة وابنة المستقبل المنتظر...أسيتشرب أنفة واعتداد أم انكسارا وجبنا.؟
"ما أكرم النساء الاكريم، وما أهانهن الا لئيم".