تحتفي الشعوب الغربية وتحتفي معها ايضا شعوب الشرق العربي خاصة الشباب منهم في الرابع عشر من فبراير بعيد الحب أو عيد العشاق أو "يوم القديس فالنتين" ليعبرون فيه عن حبهم لبعضهم وتبادل الورود والهدايا والحلوي .
يحاول العقل الجمعي لشعوب العالم في هذه المناسبة ان يخرج من ماديات الحياة الي احياء روحه والشعور باللذة الروحية من خلال تبادل الحب . فالحب هو القيمة الاساسية لاحتفاظ الانسان بانسانيته، ولقيمته فقد ابدع نزار قباني بيته الشعر الرائع " الحب في الأرض بعض من تخيلنا .. لو لم نجده عليها لاخترعناه"، معبراً بذلك عن عاطفة الحب القوية التي تجمع البشر.
فالحب لايقتصر على حب المرأة للرجل أو الرجل للمرأة ان الحب له اوعية كثيرة منها حب الأبناء والاصدقاء والوطن، حب العمل، حب الفنون، حب الأم لطفلها الصغير، ويرتقي الحب في منازل أرواحنا حتى يصل إلى حب الله عز و جل بوصفه أرقى أنواع الحب .
قصص العشق العربي
والشرق العربي كان اسبق من الغرب إلى التعبير عن هذه العاطفة الجياشة بين المحبين عبر العديد من اشعار المحبين حفظها التراث العربي مثل قصص " كُثير وعَزة ، و " قيس بن الملوح وليلى"، فقيس جن بليلي حتى قتله العشق، وكذلك قصة " عنترة وعبلة" والتي عكست بطولة الفارس المغوار عنترة وكان ابرز شعراء الجاهلية وانشد العشرات من قصائد في محببوته منها :
ولقد ذكرتك والرماح نواهلُ مني وبيضُ الهند تقطرُ من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرِك المتبسمِ
ومن عشاق العرب المشهورين ايضا جميل بن عبد الله بن معمّر الذي عشق ابنة عمه، ودعي بها شهرة جميل بثينة وقصتهما تمثل نموذجا راقيا ونبيلا في الشعر والعشق وقيم الرجولة والشهامة. ومن قصائده فيها قوله :
لا والذي تسجد الجَباه له مالي بما دون ثوبها خبرُ
ولا بفيها، ولا هممتُ بها ما كان إلا الحديثُ والنظرُ!
وآخر ما قاله جميل من الشعر كان:
يهواك ما عشت - الفؤادُ وإن أمُت يتبع صدايَ صداكِ بين الأقبرِ
ومن قصص الحب العنيف والعفيف قصة " توبة وليلى" حيث فرقت الأيام بينهما، لكنهما ظلا على وفائهما، فقد ابدع توبة كثيرا من الشعر في محبوبته وسببه تناولها في شعره فان اهلها رفضوا تزويجهما، وعندما قتل توبة في احدي الغارات رثته محبوبته ليلي الاخليلية بقصائد مبدعة سجلها التاريخ الانساني باحرف من نور الوفاء للحب والاخلاص، ومنها قصيدتها :
أقسمت أرثى بعدَ توبةَ هالكا وأحفِلُ من دارت عليه الدوائر
لعَمرك ما بالموت عارٌ على الفتى إذا لم تصبه في الحياة المعابرُ
وما أحدٌ حيا وإن كان سالما بأخلد ممن غيّبته المقابرُ
ومن كان مِما يُحدثُ الدهر جازعا فلابد يوما أن يُرى وهو صابر
وليس لذي عيش من الموت مذهبٌ وليس على الأيام والدهر غابِرُ
ولا الحيُ مما يُحدث الدهر معتبٌ ولا الميت إن لم يصبر الحيُ ناشرُ
وكل شبابٍ أو جديد إلى بِلى وكلّ امرئ يوما إلى الله صائرُ
وكلُ قريني أُلفةٍ لتفرقِ شتاتا، وإن ضنّا، وطال التعاشُرُ
فلا يبعدنك الله يا توبَ هالكا أخا الحرب إن ضاقت عليه المصادرُ
فأقسمتُ لا أنفكُ أبكيك ما دعت على فننٍ ورقاءُ أو طار طائرُ
قتيل بني عوف، فيا لهفتا له فما كنتُ إياهم عليه أُحاذرُ
طوق الحمامة
وتناول العرب هذه العلاقات الانسانية الدافئة خاصة اذا كانت صادقة من القلب، في العديد من المؤلفات واشهرها كتاب " طوق الحمامة أو طوق الحمامة في الألفة والألاف" هو كتاب لابن حزم الأندلسي، الذي يعد أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه .
وللحب عند ابن حزم أشكال وضروب وأفضلها عنده المحبة في الله .. إما لاجتهاد في العمل .. وإما لفضل علم يمنحه الإنسان .. ومحبة الطمع في جاه المحبوب .. ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره .. .. ومحبة العشق الذي لاعلة لها إلا اتصال النفوس .. وهو يؤكد على كل هذه الأشكال من الحب تنتهي بانتهاء الغرض منها إلا محبة العشق الصحيح فهي لاتنتهي إلا بالفناء والموت. والمتحابان عند ابن حزم لابد أن يكون بينهما تشابه واتفاق في الصفات الطبيعية ويؤكد قوله بحديث رسول الله "الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف "
يبدأ ابن حزم كتابه بأفكار فلسفية مختلفة عن علامات الحب تعد رائدة في هذا المجال خاصة إذا نظرنا إليها بعيون عشرة قرون مضت حققت فيها الدراسات النفسية والفلسفية إنجازات كبيرة وظهرت فيها نظرات ومدارس نفسية أكدت كلها صحة ماجاء به ابن حزم وريادته لها ..
وعن علامات الحب يتحدث ابن حزم ويبين أن العين هي "المعربة عن بواطن النفس " وهو يرى أن النظر هو أول مداخل القلب .. إلا أنه يتعجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة ولا يكاد يصدقه " ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة .. وما لصق بأحشائه حب قط إلا مع الزمن الطويل "
ويتحدث ابن حزم دائماً عن معاني الحب وأعراضه وظواهره وشتى آفاته من وجهة نظر المحب لا المحبوب .. وهو يلزم المحب بهذه العاطفة ويعفي المحبوب من كثير من التزاماتها بما في ذلك الوفاء الذي يوجبه على المحبوب لأن المحب مخير بين القبول والرفض.
ابن حزم يربط العاطفة بالزمان وتعدد التجارب فهو يرى أن العاطفة البطيئة التي تولدها المعاشرة والتعامل هي أبقى من هذا العشق السريع الذي يراه أقرب إلى الشهوة كما أنه يرفض فكرة التعلق بشخصين في وقت واحد ويراها رغبة حسية أكثر منها حاجة وجدانية راقية .
كما يرى أن (الحب أعمى) فهو يعمي ويصم ويغير طبيعة الفرد فإذا بالعاقل أهوج يستحسن القبيح ويصبح الهوى مذهبه وطريقه .
مفهوم الحب لدي الفلاسفة
وقد تناول الفلاسفة الحب كمفهوم كلى مجرد، مثل الفيلسوف اليوناني يوزانياس الذي قسم الحب إلى نوعين هما: الأرضي والسماوي، وانتهى إلى إن الحب وسط بين المحب والمحبوب .
أما سقراط فيصور الحب بجنّي عظيم أو روح كبير جاهل، ويذكر من أشكال الحب ما يعرف بالحب الرومانتيكي، ويكون حباً خالصاً، مقترناً بالآلام والحزن والقنوط، ولا يمكن أن تكون نهايته سعيدة، ولا يكون موجوداً إلا في دنيا الخيال والتصوّر.
أما أفلاطون فيرى أن الروح تصل إلى الخير عن طريق الحب، كما أنها تصل إلى الحقيقة عن طريق الإدراك، ويفضل الحب الإدراك بمقدار ما يسمو الخير عن الحقيقة، فالحب أسمى عمل تقوم به الطبيعة الإنسانية، والحب الخالص بهذا المعنى هو الذي هدفه الخير.
كما تباين مفهوم الحب لدى علماء النفس، ومنهم سيجموند فرويد الذي يري الحب حاجة نفسية تحتاج لاشباع وربطه بالدافع الجنسي
أما اريك فروم فيؤكد أن جذور الحب تكمن في الحاجة إلى الانتماء، وذلك أن الإنسان عندما أصبح إنسانا قد تمزقت لديه عرى الوحدة الحيوانية الأولية بالطبيعة، وأصبح على الإنسان أن يخلق علاقاته الخاصة به، وأكثرها تحقيقا للإشباع هي تلك القائمة على الحب .
ويؤكد اريك فروم في كتابه " فن الحب " أن ماهية الحب هي الرغبة للاندماج مع شخص آخر، وهي أكبر توقانا لدى الإنسان، إنها أشد عواطفه جوهرية، أنها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكا، وكذلك القبيلة والأسرة والمجتمع، والفشل في تحقيق هذا الاندماج يعني الجنون والدمار للذات أو الدمار للآخرين، بدون حب ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يوما واحدا .
اما الحب في الاسلام ، فهو انفعال ايجابي ، بشرط تحديده بضوابط تكليفيه وتكوينيه، ومن أهم هذه الضوابط أن يكون الحب في الله، اى أن يكون مجردا من المنفعة الحسيه والمادية المباشرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله ).
وتعددت معاني الحب في الاسلام من حب الوطن والزوجة كما في قوله تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة)، وكما فى الحديث : قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عائشة»،وحبه للسيدة خديجة رضي الله عنها حتى بعد موتها ولم يتزوج معها اي إمرأة. وحب الاصدقاء والأصحاب كما في قول الرسول ( صل الله عليه وسلم) (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه)
اشهر المقولات في الحب
ابن القيم فيقول في حب الله تعالى : المحبة ركن العبادة الأعظم، فالعبادة تقوم على أركان ثلاثة، هي المحبة، والخوف، والرجاء. و يقول أيضا أن الحب هو : الميل الدائم بالقلب الهائم و إيثار المحبوب على جميع المصخوب و موافقة الحبيب في المشهد والمغِيب و مواطأة القلب لمرادات المحبوب واستكثار القليل من جنايتك، واستقلال الكثير من طاعتك و سقوط كل محبة من القلب إلا محبة الحبيب.
الحب الأفلاطوني، و هو الحب الذي لا ينبني على شهوة أو رغبة .
" الحب الحقيقي كالأشباح قليلون هم الذين رأوه” الفرنسي لاروشفوكو ”
الحب الذي يفيض عن حده غالبا ما يصبح كارثة ” الكاتبة جورج صاند
الحب يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها، وأما الرجل فإنه يقتحم قلبه دون استئذان، وهذه هي مصيبتنا (برنارد شو)
إذا أحبت المرأة فعلت كثيراً، وتكلمت قليلاً(علي مراد)
الحب أعمى والمحبون لا يرون الحماقة التي يقترفون (شكسبير) ”
و يتّفق العلماء على أنّ المحبّة لا يمكن تعريفها تعريفاً جامعاً مانعاً. يقول الإمام القشيريّ رحمه الله:" لا توصف المحبّة بوصف، ولا تحدّد بحدٍّ أوضح ولا أقرب إلى الفهم من المحبّة.