ربما يكون الاستحقاق السوري هو من أعظم التحديات التي تواجه الدولة الأردنية حكومة وشعباً ومؤسسات، على أصعدة عديدة ومختلفة، سواء على الصعيد السياسي والعسكري والأمني أوعلى الصعيد الاقتصادي أيضاً وربما يكون هو الأشد خطورة والأعمق تأثيراً والأشد ضغطاً على واقع الناس، بالإضافة إلى الصعيد الاجتماعي الذي يجب عدم اغفاله.
على الصعيد السياسي والعسكري كان الموقف الأردني يتسم بالتوازن طوال السنوات السابقة من عمر الأزمة، حيث أن الأردن لم يتبنّ موقفاً منحازاً إلى طرف من أطراف الصراع الدائر، وأعلن أنه مع الحل السياسي من أول يوم بناءً على رؤية متقدمة تقول: أن لا حسماً عسكرياً من طرف على طرف، وبقي الأردن محتفظاً بهذا الموقف الذي يتسم بالحكمة، والذي أثبت صحته من خلال مرور الزمن، واستطاع هذا الموقف أن يجنب الأردن كثيراً من المزالق والمصائد الخطيرة، وما زال هذا الموقف هو الأقرب للصواب حتى هذه اللحظة، مع ضرورة أخذ الاحتياطات الكاملة التي تحفظ أمن الحدود الأردنية في وجه التطورات الأخيرة التي طالت المشهد السوري.
إعلان الأردن أنه مع وحدة الشعب السوري ووحدة الأرض السورية، ومع الحل السياسي الذي يوقف حمام الدم المرعب، وفي الوقت نفسه هو ضد الإرهاب بكل وضوح وحسم، وضرورة التقدم نحو الصيغة الأكثر صدقية في تمثيل الشعب السوري، والأكثر تعبيراً عن طموحات الأغلبية الحقيقية، فهذه معالم موقف سياسي متزن، وعلى الأردن أن لا يستجيب إلى مختلف الضغوطات أو الإغراءات التي تحاول زج الأردن في أتون هذه المحرقة.
على الصعيد الاقتصادي تحتاج الدولة الأردنية إلى استنفار حقيقي، ووضع خطة استراتيجية مدروسة للتعامل مع هذا الوضع المتفاقم، حيث أن هذا الحجم الكبير من عدد اللاجئين يرهق موازنات دولة غنية ومقتدرة، ولذلك نجد أن الدول الأوروبية شعرت بالخوف والقلق من بضعة آلاف من المهاجرين، فكيف بدولة صغيرة محدودة الموارد مثل الأردن وتعاني من ضائقة اقتصادية، ومشاكل مستفحلة على صعيد الديون والبطالة، وعلى صعيد شح المياه بالإضافة إلى تكلفة مصادر الطاقة الباهظة، مما يجعل الأردن أمام مشكلة إنسانية حقيقية متفاقمة ومستفحلة، حيث ينبغي أن يتحملها المجتمع الدولي كله، بالإضافة إلى الدول العربية التي يجب أن تتداعى إلى التعامل مع هذه المشكلة بطريقة جماعية منسقة.
هناك حلول مستعجلة لا تحتمل التأخير فيما يتعلق بالإيواء وتأمين المساكن بالحد الأدنى، بالإضافة إلى تأمين المياه والطاقة، وتأمين التعليم والصحة، التي تحتاج إلى موازنة ضخمة من أجل تأمين حاجة (مليون ونصف) لاجىء في ظروف إنسانية قاهرة، وفي وضع طارىء يتسم بالخطورة البالغة، وهناك حلول استراتيجية بعيدة المدى، تحتاج إلى جهود الخبراء والمختصين من أصحاب الرؤى الاقتصادية والسياسية.
الحكومة معنية بتشكيل خلية أزمة وغرفة عمليات في انعقاد دائم؛ مكونة من أعلى المستويات للتعامل مع هذا الملف الخطير بشكل متفرغ، بحيث يتمثل في هذه الخلية خبراء من مختلف التخصصات وعلى رأسهم الخبراء الاقتصاديين، بالإضافة إلى خبراء في بقية المجالات ذات الصلة التي تشكل بمجموعها إدارة شاملة على الصعيد الداخلي والخارجي، والاتصال بالدول الصديقة ومخاطبة المجتمع الدولي بطريقة مؤسسية منتظمة وفاعلة.
ما ينبغي الالتفات إليه في هذا السياق أن مواجهة هذا الاستحقاق يحتاج إلى تعاون وثيق بين مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية، وبحاجة إلى موقف داخلي موحد، قادر على مواجهة الظروف الطارئة بإرادة جماعية صلبة، ورؤية استراتيجية موّحدة.
الدستور