يقع الناس دائما في حيرة مع بدء العطلة الصيفية و فترة الاجازات سواءا طلابنا في المدارس والجامعات أو الأخوة الموظفين من مدرسين و غيرهم ممن ينتظر قدوم فصل الصيف للحصول على إجازة أو حتى من يعمل ولكنه يملك وقت فراغ كاف ، و يتبادر الى اذهانهم هذا السؤال :
ماذا أفعل لتمضية هذا الوقت ؟ أو كيف أُمضي أوقات الفراغ ؟
طاقات هائلة تُهدر هباءا هنا و هناك دون أدنى فائدة ، وساعات طوال تمر الساعة تلو الاخرى دون أن نستفيد منها في شيء .
إن السبب الرئيسي في تلك الحيرة يرجع الى عدم فهمنا لمعنى ( ساعات الفراغ ) ، وحتى نعرف ما يمكننا فعله في أوقات الفراغ تلك لا بد أولا من أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة التي تعتمد عليها الاجابة وهي :
ماذا تعني لنا ساعات الفراغ ؟
و هل نرغب حقا باستغلالها والاستفادة منها ؟
أم هي مجرد ساعات زائدة نُمضيها كيفما كان .
قلة من الناس يعرفون قيمة الوقت و قيمة ساعات الفراغ و أهميتها ، وقد أحببت في هذا الموضوع أن أقدم هذا التعريف الجميل لأوقات الفراغ كما قدمه المفكر العربي عباس محمود العقاد في أحد مؤلفاته ،
يقول العقاد :
( أوقات العمل تملكنا ، و لكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ و نتصرف فيها كما نريد ، فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف و ميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله ، و ليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة .
فالذي يعرف قيمة وقته يعرف قيمة حياته ، و يستحق أن يحيا و أن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب ، لأن مالك وقته مالك كل شيء و يُصبح في حياته سيد الأحرار .
إن أفرغ الناس هو من لا يستطيع أن يملأ ساعات فراغه ، و عندنا في الشرق كثيرون ، بل كثيرون جدا من هؤلاء الفارغين : في كل وقت وكل موسم وكل مكان ألوف من الشبان الأقوياء و الرجال الناضجين يقضون ساعات الفراغ على القهوات و على أفاريز الطرقات ، يراقبون الغادين و الغاديات و الرائحين و الرائحات ، في الصباح و في المساء ، خلال أيام الصيف و خلال أيام الشتاء .
ليس هذا وقتا فارغا لأنهم مشغولون فيه ، وليس هذا وقتا مملوءا لأنهم يملأونه بما هو أفرغ من الفراغ .
هذا ليس بوقت على الاطلاق ...
هذا عدم خارج من الزمان ، خارج من الحياة !
وليس معنى " وقت الفراغ " أنه الوقت الذي نستغني عنه و نبدده و نرمي به مع الهباء ، ولكن " وقت الفراغ " هو الوقت الذي بقي لنا لنملكه و نملك أنفسنا فيه بعد أن قضينا وقت العمل مملوكين مسخرين لما نزاوله من شواغل العيش وتكاليف الضرورة .
ماذا نتعلم من ساعات الفراغ ؟
نتعلم منها كل شيء ، فالمعارف التي نجمعها من التجارب و الكتب محصول نفيس ، و لكنه محصول لا يفيدنا ما لم نغربله ونوزعه على مواضعه من خزائن العقل والضمير ،
ولن تتيسر لنا هذه الغربلة وهذا التوزيع في غير أوقات الفراغ . )
إذا فساعة الفراغ هي ساعة من ساعات العمر الهامة والضرورية ، ساعة تُساعد على صقل شخصية الانسان و زيادة مداركه ، وهي ساعة تُعادل في أهميتها ساعة العمل بل ربما هي أكثر أهمية عند من يعرف قيمتها و يُحسن استغلالها .
إن فهمنا الصحيح لقيمة الوقت هو الذي يحدد كيفية استغلالنا لأوقات الفراغ تلك ، ويفتح أمامنا الكثير من طرق الافادة .
مع التحية
yousco1@yahoo.com