نقش السراب المُدْمِن.جهاد جبارة
08-02-2016 02:46 PM
تلك الفيروزة التي كانت تتدلّى من عنق أمه، صارت ملهاته الوحيدة أثناء الرضاعة، كان يُدخلها في لحم كَف يده اليُسرى، ثم لا تلبث شفتاه أن تَلفِظا حَلَمَة الصدر لِتُطبقا على تلك الفيروزة، ظَنّا منه أن الرضاعة من حَجَر أزرَقٍ، مُخضّر ستكون أيسر من رضاعة حَلَمة اللحم التي لا تُذيقهُ سوى طَعما واحدا ما تَغيّر منذ بداية إدمانه على الرضاعة!، لعلّه ظنّ أن الفيروز يَضُخ حليبا كحليب صدر أمّه، ولعلّه ظن أن لحليب الفيروز مذاقا آخر غير مذاقق الحليب الذي اعتاد أن يملأ به فمه كلما جاع. لم تَكُ أمّه صاحبة الصدر المُستسلم للفم النهم الذي لا يشبع، أن صاحبه الرضيع قد تعلّق بالأزرق المُخضّر أيما تعلّق إلا في تلك اللحظات التي كانت روحها تنسَلّ رويدا، رويدا بيد الموت الذي خَطَفها في ريعان الشباب، حين لاحظت أن الرضيع الذي كَبُرَ وصار فتى كان يُطبق بيده اليُسرى النحيلة على تلك الفيروزة وهو يذرف دمع الإمتنان على الصدر الذي أكرمه، فما كان منها إلا أن خَلعت سلسالها من عُنقها لترميه في حُجر الفتى عاشق الفيروز، ثم أمسَكَت بيد الموت مُغمضة عينيها وسارت معه إلى البعيد، البعيد! ذلك الفتى الذي عشق الفيروز، كان يظن أن الفيروز يُجنى من البحر فلونه يُشابه موجه العاتي الأزرق ألمُحَمّل بأعشاب البحر الخضراء، وذات غروب حمل فيروزته نحو الشواطئ التي اعتادت الأمواج أن تضربها حين يكون القمر بدرا.. نهضَت من أعماق البحر موجة، رَمَت الفتى على الرمال كما رَمَت بعشب البحر الأخضر الذي كانت تحمله أيضا، سَقَطَت ألفيروزة الزرقاء على عُشب البحر الأخضر، مَرّت «نورسةٌ» تبحث عن أعشاب لتبني عُش زواجها الأول فالتقطت الفيروزة التي صارت «عَرَبون» خُطبتها المُقدّم من أم الفتى مُدْمِن الفيروز مُذ كان رَضيعا! |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة