كما كان متوقعاً، انتهت محادثات «جنيف 3» إلى نتيجة معروفة وهي حالة عدم الاتفاق، وفي جنيف وللمرة الثالثة كانت الأزمة السورية تستعصي حلاً،وهناك كان يكمن صراع الإرادات والقوى الدولية، وكان لقوى المعارضة خيار أفضل مما ذهبت إليه مضطرة تحت الضغط، حيث كان بوسعها لو بقيت في الرياض أن تحفظ ماء وجهها، وأن تظل عند مناورة عدم الحضور، فذلك كان افضل لها، ومع أن من يغيب هو الخاسر دوماً، إلا أنه في الحالة السورية قد يكون الأكثر نجاة من النزول في منزلق التفاوض مع نظام لم يعد لديه ما يخسره.
وهكذا كان، تمنعت المعارضة السورية الموحدة في الرياض من الذهاب في بداية الأمر وهكذا اعلن الدكتور رياض حجاب، ثم كان الذهاب وكان السجال وكانت الردود والاشتراطات، وانتهى اللقاء إلى أفق مسدود وسقف غير محدد للنهاية المطلوبة للأزمة السورية التي باتت تشغل الجميع.
حيناً من الدهر كانت المطالب رحيل بشار، وحيناً كانت الحرية للشعب السوري، واليوم سقف المطالب هو ارسال المساعدات ودخول المعونات ووقف القصف، فيما استبق بشار الجعفري الجميع ليقول «احفظوها احنا مش جايين نتفاوض بل نتحاور» وهكذا لقن زعيم الوفد السوري درساً ابتدائياً لمن حضر من المعارضة وفرض مقولته قائلاً:احفظوها مثل القرآن.
وفيما المبعوث الدولي ديمستورا تنقل بين الوفدين طالباً الوصول لتوافق أو أفق في طريق المستقبل، وكم بشر وهلل ديمستورا لهذا اللقاء إلا أن النظام السوري لم يرمن داعٍ لهذا الابتهال ما دام يحقق انتصارات على الأرض ويستعيد المزيد من القرى التي اعادت تموضعه في ميدان المعركة وذلك كله بالفضل الروسي.
ولكن ما الذي ستفعله المعارضة في حال الفشل؟
الجواب يكمن في القوى التي تدعم المعارضة والتي ستجد أنه لابدّ من التعامل مع روسيا بمنطق مختلف، وفتح أبواب جديدة معها، وهي – أي روسيا- المدركة تماماً بأن بقاء بشار ليس المهم لكن مصالحها هي التي يجب أن تتحقق وتبقى، وعلى ذلك فإن المشهد الدولي في حال الفشل في جنيف أو عدم تحقيق سقف وإطار فاعل لانهاء الأزمة، فإنه مرشح للتعقيد من جديد خاصة وأن الولايات المتحدة تعيش اليوم أكثر درجات البرود تجاه الأزمة السورية وذلك بفعل عوامل عدة ليس أولها الانتخابات المقبلة والسباق نحوها، وليس آخرها يمكن بظهور منافسين جدد وامكانية صعود دول وقيادات جديدة في وسط أوروبا تعيد الدور الروسي من جديد وبكثافة أكثر.
حديث الفشل في جنيف لم يستبعده المبعوث الأممي ديمستورا والذي رأى أن هذا المؤتمر هو آخر أمل لسوريا، وأكد أن الانهيار الكامل للمحادثات «محتمل دوما»، وهذا ما حدث وقد سادت أروقة المحادثات أجواء من الكراهية والتخوين والتشكيك، وكل طرف كان يدعي أنه المخول بالتحدث باسم الشعب السوري، وفي الحقيقة لم يعد هناك شعب سوري موحد في سوريا، فهناك شعب المعارضة وشعب الرئيس وشعب إيران.
صحيح أن هذا الانقسام لن يضر روسيا ولا أيران، لكن سوريا التي كانت موجودة قبل خمس سنوات انتهت، والنظام بقي بقوة خارجية وهذه القوى لها أفق في البقاء ومصالح تاريخية واحلام مبتغاة، لكن ماذا عن العرب ماذا لديهم بعد كل هذا الانكشاف؟
الحقيقة لم يعد لديهم شيء غير الانتظار!!
الدستور