تحط الطائرة في عمان، منتصف الليل، بعد ساعات من السفر الليلي المجهد، وتنهي اجراءاتك سريعا، اذ ان اسرعها ختم جواز السفر، ثم الهبوط نحو حزام الحقائب، مثل كل المسافرين.
هنا مكان مسحور ربما، لان كل الكلام عن مشكلة حقائب المسافرين، لم يحل المشكلة حتى الان، وكأننا بحاجة الى تدخل دولي، وحين تقف بعد سفر طويل، لاكثر من ساعة حتى تحصل على حقيبتك، وتترك خلفك العشرات الذي ينتظرون ايضا، تسأل نفسك، عن الفرق الكبير بين الشعار الذي يمطرون اسماعنا به، وبين الواقع.
رحلة طيران الامارات رقم 905 القادمة من دبي ليلة الخامس من شباط، تعرضت الى تعذيب نفسي، الطائرة مليئة بالمسافرين، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، اضافة الى الاطفال، وكل هؤلاء يتراكمون فوق بعضهم البعض بانتظار حقائبهم، ومعهم حشود تنتظر في قاعة الاستقبال، فيتعبون فوق تعبهم.
تسمع من يتأفف جراء البطء والتأخير، وتسمع موظفا يرد على الساخطين، قائلا عليكم ان تحمدوا الله، فرحلة شيكاغو احيانا تحتاج حقائبها الى ساعة ونصف، وهذا امر عادي في المطارات، وفقا للمتنور الاكبر، الذي لا يريد سماع اي شكوى من اي مسافر، ويكاد ان يقول للناس، ان عليهم ان لا يأتوا اذا كان الامر لا يعجبهم.
لا تعرف لماذا يفعلون ذلك، هل السبب يعود الى ضعف فني في تحميل الحقائب، ام في تفتيشها، وراء الكواليس، كما ان مرور كل هذا الوقت يشوه سمعة المطار، وسمعة البلد، ولا يراعي اساسا ان بين المسافرين من لا يحتمل الوقوف لساعة اضافية على قدميه من اجل حقيبة، هذا فوق ان الامر ليس من حق احد، ان يزيد ساعة على مدة الرحلة، من اجل حقيبة سفر!.
هي مشكلة تتكرر دوما، ولا يوجد حل لها، الا برد عاجل على من يكتبون ويشكون، عبر اقسام العلاقات العامة، لكن الواقع يبقى كما هو، دون اي تغيير، وقد رأيت قبل سنوات كيف ركل موظف مطار حقيبة بطرف قدمه، طابعا غبار حذاءه عليها، لانه لا يريد لها ان تسقط ارضا، فرآه صاحب الحقيبة العراقي، وجن جنونه، قائلا له، ان في الحقيبة اطار فيه صور والدته.
من المثير هنا، ان لا يتنبه البعض الى ان اغلب المسافرين لهم تجارب سفر اخرى، في دول تواجه عبر مطاراتها ضغطا اكبر، فلا تتأخر الحقائب بهذه الطريقة، هذا فوق الطابور الاخر الذي يصطف المسافرون فيه، من اجل ادخال الحقائب في اجهزة الجمارك، فيعود كل المسافرين الى تنزيل واعادة تحميل حقائبهم عبر الاجهزة، التي تكون اساسا قد مرت عبر اجهزة للتأكد من خلوها من الممنوعات، لكن للجمارك قصة اخرى، دون ان ننكر هنا، انهم يفتحون مسربا آخر للتخفيف عن الناس، لكن القصة تتشكل بشكل سيىء، لكون وصول الحقائب يتأخر كثيرا، ثم يتدفق فجأة، فينتقل التدفق مثل سيل الماء الى الجمارك.
المطار في اي بلد، ليس مجرد واجهة للبلد، هو موقع للخدمات، وهذا الذي يجب ان يفهمه كثيرون، موقع للخدمات والسفر ، وعلى هذا الاساس، تتم صناعة سمعة المطارات، عبر تسهيل الاجراءات، وعبر التخفيف على المسافرين، اضافة الى جعل المطار موقعا جاذبا، لا منفرا في بعض محطاته، موقع للخدمات ومن فيه واجبهم خدمة الناس.
الرحلة 905 كانت جميلة وممتعة، بطائرة حديثة، لكن ساعة الحقائب، كانت بمثابة ضريبة، تريد تذكيرك بأننا مازلنا في كثير من جوانب حياتنا، كما نحن، ولم نتغير، والادهى والامر، ان عقلية الضيق من المسافر او شكواه، تبقى سائدة، باعتبار ان النقد داخل المطار، غير مسموع، ولايأبه به احد.
كلما حللنا عقدة في المطار، عقدوا لنا عقدة اخرى، ثم يقولون لنا في "عمان"... لننثر الرمال ذهبا!!.
الدستور