"خشبيات" الدور الوظيفي للأردن وسوء النوايا
عبد الله بني عيسى
04-02-2016 06:14 PM
من "خشبيات" الافكار التي يتلذذ "البعض" في ترديدها، أن الاردن "كيان وظيفي"، أي أنه "أنشئ" لتحقيق مآرب الغرب، وعلى رأسها حفظ أمن اسرائيل، وأن دوره لم يكن يوما إلا لخدمة "الصهيونية والامبريالية وتمرير المخططات الامريكية والاسرائيلية في المنطقة" هكذا بكل بساطة وفجاجة!
هذا البعض ممن أمطرونا بمقالات تتحدث عن هذا الموضوع اخيرا ينقسم إلى قسمين، الاول لديه جهل مطبق حول الاردن الوطن، والنظام السياسي، والتاريخ، والجغرافيا والديموغرافيا. وهو - إن حسنت سريرته- فبقليل من الجهد بإمكانك تغيير موقفه او تليينه او خلخلة قناعاته التي تنتمي إلى "خشبيات" عقود خلت، وذلك عبر الاضاءة على جملة من الحقائق التاريخية التي يغفل عنها، "هذا البعض" تماما.
اما القسم الثاني من مرددي هذه "المشروخة" فهو متمترس خلف قناعته وليس لديه أدنى استعداد لإعادة النظر فيها، لأنه ببساطة غير محايد، وغير موضوعي، وغير نزيه، وليس لديه استعداد أن يكون كذلك، ولو احتكمنا في "الوطنية" إلى النيات، لرسب هذه البعض بجدارة. وقد يكون أيضا ذي اجندة "قومجية" مهترئة أو "اسلاموية" عفى عليها الزمن، أو قادما من احقاد وضغائن شخصية وسياسية. هو ببساطة لن يتغير لو انفقت عمرك كاملا تشرح فيه تاريخ الاردن من العصر الحديدي الاول مرورا بتعاقب الحضارات في أرضه من أدومية ومؤابية وعمونية وآرامية وأشورية ويونانية وفارسية ورومانية وبيزنطية وعربية إسلامية.. وصولا إلى مؤتمر أم قيس الاول والنشاط الذاتي السياسي المبكر للأردنيين لتشكيل نواة دولتهم، ثم الدولة الحديثة بكل ما فيها ابعاد حضارية وانسانية وثقافية.
حسنا إذن، هو كيان وظيفي. وقد مضى على هذا "الكيان" 70 عاما، حافظ خلالها على وجوده، دولة مستقلة وذات سيادة. وبعيدا عن الاداء السياسي والاجتماعي والاقتصادي الباهت للحكومات وحتى للنظام في الكثير من الاوقات، اصبح هذا البلد الصغير محدود الامكانات يضم عشرات الجامعات الحكومية والخاصة، ولديه عشرات الاحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية، ومثلها اندية وملتقيات فكرية وثقافية وفنية، وفيها برلمان منتخب، وبلديات منتخبة، وفيها بنية تحتية جيدة رغم الفساد وشح الموارد، وفيها شباب ينتجون 75 % من المحتوى العربي على الانترنت، وفيه اطباء جعلوا من دولتهم الوجهة الخامسة عالميا في السياحة العلاجية، ... الخ. لا يعني ذلك اننا سويسرا او النمسا أو فرنسا فما مازال امامنا الكثير، والفساد المالي والاداري والحكومات المترهلة اثقلت كواهل المواطنين بسياسات خاطئة، ولدينا ظلم وتعسف وشللية ومحسوبية، وتغول للحكومات على مصالح المواطنين، لكن لدينا أيضا دولة "عميقة" عمادها الاردنيون الذين يعضون على وطنهم بالنواجذ.
مرتجفة ومتهافتة هذه اللغة الفوقية في تحليلات البعض، ومجافية للمنطقة والحقائق التاريخية والموضوعية، والحديث عن "السفينة التي تغرق" و"النظام الذي يوشك أن ينهار" و"متغيرات الدور الوظيفي في ضوء المستجدات الاقليمية"، بكل ما فيه من إهانة متعمدة للمشاعر الوطنية للأردنيين، حديث مشوب بسوء النوايا.
"الكيان الوظيفي" اليوم، يقف شامخا بشعبه ومؤسساته العسكرية والمدنية التي بناها ابناؤه بكدهم وعرق جبينهم وكفاحهم وصبرهم سنوات طويلة، في منطقة غاية في الخطورة. انظر حول الاردن لترى الانظمة السياسية المشيدة من "خرافات وعنتريات" كيف تهاوت وانهارت، وبقي هو صامدا، وما زال بوسعه أن يحلم ويخطط لمستقبل ابنائه ويجهد لتغيير اصلاحي هيكلي في مؤسسات الدولة، وفق معادلة دقيقة، تنشد تحقيق الاصلاح، لكن من دون هدم المعبد على من فيه.
الاردن وطن لم يكن في يوم من الايام طللا أو مجرد آثار دارسة، أو عتبة أو لصعود ونزول الاخرين، أو سلما لمآربهم، على الاقل بالنسبة للأردنيين الذين شكلوا دولة عميقة في وجدانهم وعلى الارض، ووفقا لما استقرت عليه الحراكات الوطنية قديما وحديثا، وبغض النظر عن أداء نظامه الرسمي، وهو رغم حجمه الصغير كل ما يملكه الاردنيون، وسيدافعون عن وجوده مهما غلت الاثمان، على الاقل في وجيه "سيئي النوايا".