في مئوية الثورة، لا بد لنا من الاعتراف بان ثورة الحسين بن علي-طيب الله ثراه- كانت هي الثورة الوحيدة في تاريخ العرب الحديث التي حققت النجاح لأنها حملت آمال العرب وتطلعاتهم الى الوحدة والحرية والحياة الأفضل. هذه الشعارات التي رفعتها الثورة لا تزال هي الأساس الذي نشدناه ولا نزال ننشده.
خلص والدنا سليمان الموسى، مؤرخ الثورة الراحل –رحمه الله- الذي امضى السنوات الطوال من عمره في دراستها وتحليلها، الى ان ديمومة الثورة العربية الكبرى في قلوبنا وعقولنا نابعة من خمسة مرتكزات:
أولا: انها ثورة «القومية العربية» التي فكر بها وعمل من «أجلها اعضاء الجمعيات العربية المثقفون الناطقون بضمير الأمة والمعبرون عن طموحاتها». أما «الشريف الحسين فهو الزعيم الفذ الذي تبنى الفكرة وتحمل تبعات القيادة، وواجه الأخطار، وثبت على المبدأ وضحى في سبيله. وهو القائد الذي لولاه لبقيت أفكار الطليعة العربية ردحا من الزمن، نظريات وأحلاما وتطلعات».
ثانيا: ان الثورة قامت «على مبدأ المؤاخات بين القومية العربية والإسلام». وحين كتب مكماهون الى الشريف طالبا اليه «استثناء الساحل السوري (لبنان) من حدود الدولة» في المشرق العربي رد عليه الشريف الملك بقوله انها بلاد «عربية محضة ولا فرق بين العربي المسيحي والمسلم فإنهما ابناء جد واحد»، واستشهد بقول الخليفة عمر بن الخطاب: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».
ثالثا: «ان قيام الثورة كشف عن جميع القوى التي تتعارض مصالحها مع اهداف الثورة»، وهم الانجليز والفرنسيون والاتراك الاتحاديون وبعض امراء العرب في الجزيرة. ادعى الاتحاديون «ان الثورة شقت وحدة المسلمين وتحالفت مع الانجليز»، بينما كانوا هم الذين بدأوا بشق «وحدة المسلمين باضطهادهم العرب، وتحالفوا مع المانيا قبل ان يتحالف العرب مع الانجليز».
رابعا: «لم يرفع العرب اسلحتهم في وجه الدولة العثمانية، بل رفعوها في وجه عصابة الاتحاد والترقي، التي سارت على سياسة عنصرية تهدف الى تتريك العرب». ودليل هذ «ان الدعاء في الكعبة المشرفة ظل يقام باسم السلطان-الخليفة سنة كاملة بعد اعلان الثورة». كذلك، لم يطعن الشريف الحسين الدولة العثمانية «في الظهر وعلى حين غرة، بل أقدم على مجازفة خطيرة عندما صارح الاتحاديين بمطالب العرب قبل قيام الثورة بثلاثة أشهر».
خامسا: كانت الثورة العربية الكبرى «تعبيرا حيا عن ارادة شعب عريق، نهض من سبات القرون، يطلب حريته ويتمسك بهوبته القومية. وأي طلب أعظم من هذا وأجل؟؟»
وها نحن، بعد قرن بطوله، خاض العرب فيه وما زالوا يخوضون معارك الحرية والاستقلال، نقف في حضرة الشريف الهاشمي الحسين بن علي الذي ضحى بملكه حين تكالبت عليه القوى الاستعمارية، فقال قولته المشهورة: «لا أتنازل عن حق واحد من حقوق البلاد. لا اقبل الا ان تكون فلسطين لأهلها العرب. لآ اقبل بالتجزئة ولا أقبل بالانتداب، ولا أسكت وفي عروقي دم عربي».
كانت نتيجة هذه المواقف الوطنية الصلبة ان خسر الشريف الحسين ملكه ونفي لجزيرة قبرص، لكنه في الحقيقة ربح الخلود كقائد عظيم نفاخر به، وكمليك خالد يتربع في قلب ووجدان كل مواطن عربي مخلص لقوميته ووحدتها وكرامتها من الخليج حتى المحيط.