لفترة طويلة من الزمن كنت اعتقد إن اسم "الجوكر" هو "كرت" من اوراق اللعب المعروفة شعبيا " الشدة"، أو انه إحدى الشخصيات الخيالية الشريرة في القصص المصورة، أو انه الصورة المتداولة للشخصية "السايكوباتية" التي تصوره بصورة الذكي جدا ذي الحس الفكاهي السادي اللامبالي، إلا أنني أكتشفت مؤخرا بان هذا "الجوكر " أصبح أيضا لقبا او اسما لمادة مخدرة خطيرة جدا بدأت تغزو بلادنا معرضة بعض شبابنا إلى شرورها وعواقبها الوخيمة والتي تصل الى حد الموت الشنيع في كل من يتعاطاها عوضا عن فتكها بالمجتمع الذي نعيش فيه...
فحسب النشرات الاعلامية والتثقيفية لإدارة مكافحة المخدرات في بلدنا فانه تم مصادرة ما يزيد على "25000" كيس من مادة " الجوكر " خلال عامي 2014 و 2015، الأمر الذي يوحي ان هنالك الكثير من الأشرار وخفافيش الظلام ما زالوا يمارسون قذارتهم لتوريط شبابنا بهذه السموم لجني الاموال والربح السريع، واكثر ما أستوقفني في النشرات التوعوية التي تقوم فيها ادارة مكافحة المخدرات – والتي تشكر عليها – هو حجم الخيال الذي يحل في عقل متعاطيها وكانه حقيقة وواقع، فقد يخيل لهذا المتعاطي بعد ان يتجرعها بأن رأس أخيه هو رأس " نمر "، او أن أبيه الذي يمر امامه هو "جارهم"، ويصل الهوس والخيال فيه الى اعتبار ان العمارات السكنية المجاورة لمنزله هي عبارة عن علب " كبريت " صغيرة، الامر الذي يدفعه للإقدام على ارتكاب جرائم لا حصر لها في حق نفسه او في حق غيره ممن يعيش حوله ...
مادة "الجوكر" أيضا وكما يقول اصحاب الاختصاص في مكافحتها أن كلفة تركيبها على مروجيها المجرمين الاشرار لا تتجاوز " الدينار الواحد " وسعر بيعها للأغرار هو " 30 ديناراً" وتصنع من مواد رخيصة متداولة وموجودة بكثرة في الاسواق كالمبيدات الحشرية، ويقومون في تغليفها باوراق بريئة جدا قد تحمل صور بريئة جدا كصور ألعاب الاطفال الكرتونية والتي لا يخيل للمرء ابدا الذي قد يكون أبا أو اما أو معلما أنها تحمل سم قاتل لتمر مرور الكرام في يد من يتعاطاها، والخديعة الكبرى التي يستخدمها هؤلاء المجرمين للإيقاع بضحاياهم للإدمان عليها هو الترويج بان هذه المادة تقوي الذاكرة او تقوي القدرة الجنسية وغيرها من الدعايات البراقة والبريئة التي من الممكن أن تستهوي الابرياء الذين قد يخدعون في زيفها الشيطاني ...
إن ما سبق ذكره من الأساليب الشيطانية التي يستخدمها الجناة في تدمير المجتمع يتبين لنا بان "الجوكر" قد يمر أمام أعيننا وكانه نوع من اللهو الذي قد يستخدم في بيوتنا أو في مدارسنا ويقع بأيدي اولادنا وبناتنا دونما ان ندرك إنه نوع من "اللهو الخفي" القاتل الذي يتخفى بوسائل بريئة ونحن قد نكون فعلا وكما يقول المثل "غايبين فيله" عما يجري من حولنا، الامر الذي يعني باننا جميعا في منازلنا ومدارسنا علينا أن ننشط في مراقبة شبابنا واولادنا وبناتنا في سلوكهم وحلهم وترحالهم وعلى كل الاجهزة الاعلامية المعنية بمختلف اشكالها وانواعها والأجهزة التربوية بمختلف مستوياتها ومنابرنا الدينية أن تنشط في مساندة إدارة مكافحة المخدرات التي تقوم بدورها الرائع والمشرف في مكافحة هذه الجرائم من خلال نشر الوعي والتثقيف والارشاد للناس في المجتمع لمكافحة هذه الآفة والمصيبة، التي - لا قدر الله- لو استفحلت فإننا كلنا سندفع الثمن الغالي فيها من الارواح ومن القيم النبيلة والجميلة الراقية التي ميزت مجتمعنا الاردني الجميل، وسيكون لها ضررا فادحا على الصحة والمال والأسرة والمجتمع بكل أبعاده وتداعياته، ووقانا الله وإياكم من " الجوكر " ومن المجرمين "الجواكر".