هل كان ليخرج ( طفل الكمالية ) في يوم صقيع بارد وعاصفة من الثلوج تتساقط عليه وتغطي الارض من حوله مقيدة حريته في الحركة غير ابه لمخاطر خروجه في مثل هذه الظروف الجوية التي لاترحم صغيرا او كبيرا ..وما دعاه للخروج الا لحاجة ملحة وقاهرة ..وماذا تكون هذه الحاجة سوى البحث عن مصدر رزق يقتات من وراءه رغيفا من الخبز او قليلا من الطعام يسد به جوعه وجوع من تركهم خلفه من اطفال او ام واب عاجزين لا يملون من حطام الدنيا شيئا .
خرج هذا الطفل بجسمه الغض الناعم وطفولته البريئة يسابق بقدميه قساوة الثلوج وشدة البرد حتى ينجوا الى العراء , هائما على وجهه لايدري له وجهة بعينها او طريق ينتهي اليه وكل همه ان يحافظ على ما يحمله بين يديه من كراريس ودفاتر رسم خرج بها ليبيعها لعابر طريق ان وجده في هذه الاحوال المأساوية ليشتري بثمنها خبزا او طعاما لعائلته التي لاتملك من حطام الدنيا شيئا .
ولكن الطرقات خالية من المارة ولا احد يابه لشراء دفاتر او كراريس في مثل هذه الظروف العاصفة , ومع ذلك لم يدخل اليأس قلبه وسار يغرس قدميه في الثلج بكل ثبات وثقة وعقله مغيب عما يجري حوله , واذ هو على هذا الحال مر من امامه رجل فاستوقفه مشهد الطفل الذي اعتبره غير طبيعي في مثل هذه الظروف , فاشفق عليه واخرج من جيبه نقودا مدها اليه , الا انه لم يعلم ان الطفل يكمن في داخله عزة نفس وكرامة انسان , فرفض ان يأخذ النقود والحقها بقوله انني لست شحاذا بل انا ابيع دفاتر وكراريس , فخجل الرجل من تصرفه امام مكابرة الطفل وعزة نفسه , وما كان منه الا ان التقط له صورة ونشرها عبر وسائل الاعلام . ولم تكن مفاجأة لابناء بلدي عندما علموا بقصته فسارعت الايادي البضاء والخيرة من كل حدف وصوب بمد يد المساعدة له ولعائلته .
كيف لا ونحن امة تملكتها العاطفة الجياشة في حال مثل هذه المواقف الانسانية والتي تشفق وتحن على ابناء وطنها المحتاجين ..والخير دائما مرتجى في هذه الامة , ولكن هل ان ( طفل المالية ) هو الوحيد في بلدنا وماذا عن ( طفل الكرك ؟؟ ) وماذا عن ( طفل معان ؟؟ ) وماذا عن
( طفل اربد ؟؟ ) .... وماذا عن ( اطفال الاردن ؟؟؟ ) اليسوا ابنائنا اليسوا فلذات القلوب , الاتستحق الدمعة من عيونهم دنانير معدودة تسرهم وتسد جوعهم وتمنعهم عن الطرقات وتبث فيهم الامل بالحياة وتملىء قلوبهم محبة الوطن , والله يا ابناء بلدنا المعطاة ستسعدون انتم واولادكم حين تسعدون الاطفال وكل محتاج ..ولنكن كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .